فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِنۡ أَحَدٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ٱسۡتَجَارَكَ فَأَجِرۡهُ حَتَّىٰ يَسۡمَعَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبۡلِغۡهُ مَأۡمَنَهُۥۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَعۡلَمُونَ} (6)

{ وإن أحد } مرتفع بفعل شرط مضمر يفسره الظاهر لا بالابتداء لأن { إن } لا تدخل إلا على الفعل { من المشركين } الناقضين للعهد الذين أمرت بالتعرض لهم في قوله { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين } .

{ استجارك } استأمنك من القتل { فأجره } يقال استجرت فلانا أي طلبت أن يكون جارا أي محاميا ومحافظا من أن يظلمني ظالم أو يتعرض لي متعرض ، وفي القاموس جار واستجار طلب أن يجار وأجاره أنقذه وأعاده ، وفي المصباح استجاره طلب منه أن يحفظه فأجار والمعنى أمنه .

{ حتى } يصح أن تكون للغاية وللتعليل { يسمع كلام الله } منك ويتدبره حق تدبره ويقف على حقيقة ما تدعو إليه ، ويتحقق أنه ليس من كلام الخلق ، والاقتصار على ذكر السماع لعدم الحاجة إلى شيء آخر في الفهم لكونهم من أهل الفصاحة .

{ ثم } إن أراد الانصراف ولم يسلم { أبلغه مأمنه } أي إلى الدار التي يأمن فيها وهو دار قومه لينظر في أمره ويعرف ما له من الثواب إن آمن ، وما عليه من العقاب إن أصر على الشرك ، ثم بعد أن تبلغه مأمنه قاتله من غير عذر ولا خيانة فقد خرج من جوارك ورجع إلى ما كان عليه من إباحة دمه ووجوب قتله حيث يوجد .

عن سعيد بن أبي عروبة قال : كان الرجل يجيء إذا سمع كتاب الله وأقربه وأسلم فذاك الذي دعى إليه ، وإن أنكر ولم يقر به رد مأمنه ثم نسخ ذلك فقال : { وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة } وعن ابن زيد قال : إن لم يوافقه ما يقص عليه ويخبر به فأبلغه مأمنه ، وهذا ليس بمنسوخ ، قال الحسن : هذه الآية محكمة إلى يوم القيامة .

{ ذلك } أي الأمر بالإجارة وإبلاغ المأمن { بأنهم قوم لا يعلمون } ما الإيمان وما حقيقة ما تدعون إليه بسبب فقدانهم العلم النافع المميز بين الخير والشر في الحال والمآل ، فلا بد لهم من أمان بقدر زمان يسمعون فيه القرآن ويتدبرون .