الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{إِذۡ جَآءُوكُم مِّن فَوۡقِكُمۡ وَمِنۡ أَسۡفَلَ مِنكُمۡ وَإِذۡ زَاغَتِ ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَبَلَغَتِ ٱلۡقُلُوبُ ٱلۡحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَا۠} (10)

وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن عائشة في قوله { إذ جاءُوكم من فوقكم ومن أسفل منكم } قالت : كان ذلك يوم الخندق .

وأخرج ابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده قال : « خط رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق عام الأحزاب ، فخرجت لنا من الخندق صخرة بيضاء مدوّرة ، فكسرت حديدنا وشقت علينا ، فشكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذ المعول من سلمان ، فضرب الصخر ضربة صدعها ، وبرقت منها برقة أضاءت ما بين لابتي المدينة ، حتى لكأن مصباحاً في جوف ليل مظلم ، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكبر المسلمون ، ثم ضربها الثانية ، فصدعها وبرق منها برقة أضاء ما بين لابتيها ، فكبر وكبر المسلمون ، ثم ضربها الثالثة ، فصدعها وبرق منها برقة أضاء ما بين لابتيها ، وكبر وكبر المسلمون ، فسألناه فقال : أضاء لي في الأولى قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب ، فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها ، وأضاء لي في الثانية قصور الحمر من أرض الروم كأنها أنياب الكلاب ، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها ، وأضاء لي في الثالثة قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب ، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها ، فابشروا بالنصر . فاستبشر المسلمون وقالوا : الحمد لله موعد صادق بأن وعدنا النصر بعد الحصر ، فطلعت الأحزاب فقال المسلمون : { هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً } وقال المنافقون : ألا تعجبون ! يحدثكم ويعدكم ويمنيكم الباطل ، يخبر أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ، ومدائن كسرى ، وإنها تفتح لكم ، وإنكم تحفرون الخندق ولا تستطيعون أن تبرزوا ، وأنزل القرآن { وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً } » .

وأخرج ابن إسحاق وابن مردويه عن ابن عباس قال : أنزل الله في شأن الخندق ، وذكر نعمه عليهم ، وكفايته إياهم عدوهم بعد سوء الظن ، ومقالة من تكلم من أهل النفاق { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها } وكانت الجنود التي أتت المسلمين . أسد . وغطفان . وسليما . وكانت الجنود التي بعث الله عليهم من الريح الملائكة فقال { إذ جاءُوكم من فوقكم ومن أسفل منكم } فكان الذين جاؤوهم من أسفل منهم قريشاً ، وأسداً ، وغطفان فقال : { هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً ، وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً } يقول : معتب بن قشير ومن كان معه على رأيه { وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي } يقول أوس بن قيظي ومن كان معه على مثل رأيه { ولو دخلت عليهم من أقطارها } إلى { وإذاً لا تمتعون إلا قليلاً } ثم ذكر يقين أهل الإيمان حين أتاهم الأحزاب فحصروهم وظاهرهم بنو قريظة ، فاشتد عليهم البلاء ، فقال : { ولما رأى المؤمنون الأحزاب } إلى { إن الله كان غفوراً رحيماً } قال : وذكر الله هزيمة المشركين ، وكفايته المؤمنين ، فقال : { ورد الله الذين كفروا بغيظهم . . . } .

وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الدلائل عن عروة بن الزبير ومحمد بن كعب القرظي قالا : قال معتب بن قشير : كان محمداً يرى أن يأكل من كنز كسرى وقيصر ، وأحدنا لا يأمن أن يذهب إلى الغائط ، وقال أوس بن قيظي في ملأ من قومه من بني حارثة { إن بيوتنا عورة } وهي خارجة من المدينة : ائذن لنا فنرجع إلى نسائنا وأبنائنا وذرارينا ، فأنزل الله على رسوله حين فرغ منهم ما كانوا فيه من البلاء يذكر نعمته عليهم ، وكفايته إياهم بعد سوء الظن منهم ، ومقالة من قال من أهل النفاق ، { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها } فكانت الجنود : قريشاً ، وغطفان ، وبني قريظة . وكانت الجنود التي أرسل عليهم مع الريح الملائكة { إذ جاءُوكم من فوقكم } بنو قريظة { ومن أسفل منكم } قريش ، وغطفان . إلى قوله { ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً } يقول : معتب بن قشير وأصحابه { وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب } يقول : أوس بن قيظي ومن كان معه على ذلك من قومه .

وأخرج ابن أبي شيبة عن البراء بن عازب قال : لما كان حيث أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحفر الخندق ، عرض لنا في بعض الجبل صخرة عظيمة شديدة لا تدخل فيها المعاول ، فاشتكينا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رآها أخذ المعول ، وألقى ثوبه وقال : « بسم الله ، ثم ضرب ضربة فكسر ثلثها ، وقال : الله أكبر . أعطيت مفاتيح الشام ، والله إني لأبصر قصورها الحمر الساعة ، ثم ضرب الثانية ، فقطع ثلثاً آخر فقال : الله أكبر . أعطيت مفاتيح فارس ، والله إني لأبصر قصور المدائن البيض ، ثم ضرب الثالثة فقال : بسم الله . فقطع بقية الحجر وقال : الله أكبر . أعطيت مفاتيح اليمن ، والله إني لأبصر أبواب صنعاء » .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله { إذ جاءُوكم من فوقكم } قال عيينة بن حصن { ومن أسفل منكم } قال : سفيان بن حرب .

وأخرج ابن أبي شيبة عن عائشة في قوله { إذ جاءُوكم من فوقكم ومن أسفل منكم } قال : كان ذلك يوم الخندق .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { إذ جاءُوكم من فوقكم ومن أسفل منكم } قال : نزلت هذه الآية يوم الأحزاب ، وقد حصر رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً فخندق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقبل أبو سفيان بقريش ومن معه من الناس حتى نزلوا [ ] بعفوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقبل عيينة بن حصن أخو بني بدر بغطفان ومن تبعه حتى نزلوا بعفوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكاتبت اليهود أبا سفيان فظاهروه ، فبعث الله عليهم الرعب والريح . فذكر أنهم كانوا كلما بنوا بناء قطع الله أطنابه ، وكلما ربطوا دابة قطع الله رباطها ، وكلما أوقدوا ناراً أطفأها الله ، حتى لقد ذكر لنا أن سيد كل حي يقول : يا بني فلان هلم إلي . حتى إذا اجتمعوا عنده قال : النجاة . . . النجاة . . . أتيتم لما بعث الله عليهم الرعب .

وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { إذ جاءُوكم من فوقكم } قال : عيينة بن حصن في أهل نجد { ومن أسفل منكم } قال : أبو سفيان بن حرب في أهل تهامة ، ومواجهتهم قريظة .

وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وإذ زاغت الأبصار } قال : شخصت الأبصار .

وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وبلغت القلوب الحناجر } قال : شخصت من مكانها فلولا أنه ضاق الحلقوم عنها أن تخرج لخرجت .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن عكرمة في قوله { وبلغت القلوب الحناجر } قال : فزعها ولفظ ابن أبي شيبة قال : إن القلوب لو تحركت أو زالت خرجت نفسه ، ولكن إنما هو الفزع .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { وتظنون بالله الظنونا } قال : ظنون مختلفة ظن المنافقون أن محمداً وأصحابه يستأصلون ، وأيقن المؤمنون أن ما وعدهم الله ورسوله حق أنه سيظهر على الدين كله .

10