الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّا نَصَٰرَىٰٓ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَهُمۡ فَنَسُواْ حَظّٗا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَأَغۡرَيۡنَا بَيۡنَهُمُ ٱلۡعَدَاوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ وَسَوۡفَ يُنَبِّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ} (14)

أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة في قوله { ومن الذين قالوا إنا نصارى } قال : كانوا بقرية يقال لها ناصرة ، كان عيسى ابن مريم ينزلها .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله { ومن الذين قالوا إنا نصارى } قال : كانوا بقرية يقال لها ناصرة نزلها عيسى ، وهو اسم تسموا به ولم يؤمروا به . وفي قوله { ميثاقهم فنسوا حظاً مما ذكروا به } قال : نسوا كتاب الله بين أظهرهم ، وعهد الله الذي عهد لهم ، وأمر الله الذي أمر به وضيعوا فرائضه { فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة } قال : بأعمالهم أعمال السوء ، ولو أخذ القوم بكتاب الله وأمره ما تفرقوا وما تباغضوا .

وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر عن إبراهيم في قوله { فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة } قال : أغرى بعضهم بعضاً بالخصومات والجدال في الدين .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن إبراهيم في الآية قال : ما أرى الإغراء في هذه الآية إلا الأهواء المختلفة .

وأخرج ابن جرير عن الربيع قال : إن الله تقدم إلى بني إسرائيل أن لا يشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً ، ويعلموا الحكمة ولا يأخذوا عليها أجراً ، فلم يفعل ذلك إلا قليل منهم ، فأخذوا الرشوة في الحكم وجاوزوا الحدود ، فقال في اليهود حيث حكموا بغير ما أمر الله { وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة } [ المائدة : 64 ] وقال في النصارى { فنسوا حَظًّا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة } .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال : لما كانت وقعة أُحد اشتد على طائفة من الناس وتخوَّفوا أن يدال عليهم الكفار ، فقال رجل لصاحبه : أما أنا فألحق بفلان اليهودي ، فآخذ منه أماناً وأتهوّد معه فإني أخاف أن يدال على اليهود . وقال الآخر : اما أنا فألحق بفلان النصراني ببعض أرض الشام ، فآخذ منه أماناً وأتنصر معه . فأنزل الله تعالى فيهما ينهاهما { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض } .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة في قوله { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض } في بني قريظة ، إذ غدروا ونقضوا العهد بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابه إلى أبي سفيان بن حرب ، يدعونه وقريشاً ليدخلوهم حصونهم ، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا لبابة بن عبد المنذر إليهم ان يستنزلهم من حصونهم ، فلما أطاعوا له بالنزول وأشار إلى حلقه بالذبح ، وكان طلحة والزبير يكاتبان النصارى وأهل الشام ، وبلغني أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يخافون العوز والفاقة ، فيكاتبون اليهود من بني قريظة والنضير ، فيدسون إليهم الخبر من النبي صلى الله عليه وسلم يلتمسون عندهم القرض والنفع ، فنهوا عن ذلك .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كلوا من ذبائح بني تغلب ، وتزوّجوا من نسائهم ، فإن الله يقول { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم } فلو لم يكونوا منهم إلا بالولاية لكانوا منهم .

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء . . . } الآية . قال : إنها في الذبائح من دخل في دين قوم فهو منهم .

وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن عياض . أن عمر أمر أبا موسى الأشعري أن يرفع اليه ما أخذ وما أعطى في أزيم واحد ، وكان له كاتب نصراني ، فرفع إليه ذلك ، فعجب عمر وقال : إن هذا لحفيظ ، هل أنت قارئ لنا كتاباً في المسجد جاء من الشام ؟ فقال : إنه لا يستطيع أن يدخل المسجد . قال عمر : أجنب هو ؟ قال : لا ، بل نصراني . فانتهرني وضرب فخذي ثم قال : أخرجوه ، ثم قرأ { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء . . . } الآية .

وأخرج عبد بن حميد عن حذيفة قال : ليتق أحدكم أن يكون يهودياً أو نصرانياً وهو لا يشعر وتلا { ومن يتولهم منكم فإنه منهم } .