أخرج أحمد عن أبي هريرة قال « حرمت الخمر ثلاث مرات ، قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يشربون الخمر ، ويأكلون الميسر ، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما ؟ فأنزل الله { يسألونك عن الخمر والميسر } [ البقرة : 219 ] الآية . فقال الناس ما حرم علينا ، إنما قال إثم كبير ، وكانوا يشربون الخمر حتى كان يوم من الأيام صلى رجل من المهاجرين ، أمّ أصحابه في المغرب ، خلط في قراءته ، فأنزل الله أغلظ منها { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } [ النساء : 43 ] وكان الناس يشربون حتى يأتي أحدهم الصلاة وهو مغتبق ، ثم نزلت آية أغلظ من ذلك { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر } إلى قوله { فهل أنتم منتهون } قالوا : انتهينا ربنا ، فقال الناس : يا رسول الله ناس قتلوا في سبيل الله وماتوا على فرشهم كانوا يشربون الخمر ، ويأكلون الميسر ، وقد جعله الله رجساً من عمل الشيطان ؟ فأنزل الله { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح } إلى آخر الآية . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لو حرم عليهم لتركوه كما تركتم " .
وأخرج الطيالسي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر قال : " نزل في الخمر ثلاث آيات ، فأوّل شيء نزل { يسألونك عن الخمر والميسر } [ البقرة : 219 ] الآية . فقيل حرمت الخمر فقالوا : يا رسول الله دعنا ننتفع بها كما قال الله ، فسكت عنهم . ثم نزلت هذه الآية { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } [ النساء : 43 ] فقيل : حرمت الخمر . فقالوا : يا رسول الله لا نشربها قرب الصلاة ، فسكت عنهم ، ثم نزلت { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر . . . } الآية . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حرمت الخمر " .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والنحاس في ناسخه عن سعد بن أبي وقاص قال : " فيَّ نزل تحريم الخمر ، صنع رجل من الأنصار طعاماً ، فدعانا فأتاه ناس ، فأكلوا وشربوا حتى انتشوا من الخمر . وذلك قبل أن تحرم الخمر . فتفاخروا فقالت الأنصار : الأنصار خير وقالت قريش : قريش خير . فأهوى رجل بلحي جزور فضرب على أنفي ففزره ، فكان سعد مفزور الأنف ، قال : فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكرت ذلك له ، فنزلت هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر } إلى آخر الآية " .
وأخرج ابن جرير من طريق ابن شهاب أن سالم بن عبد الله حدثه . أن أول ما حرمت الخمر أن سعد بن أبي وقاص وأصحاباً له شربوا فاقتتلوا فكسروا أنف سعد ، فأنزل الله { إنما الخمر والميسر . . . } الآية .
وأخرج الطبراني عن سعد بن أبي وقاص قال « نزلت فيَّ ثلاث آيات من كتاب الله نزل تحريم الخمر ، نادمت رجلاً فعارضته وعارضني ، فعربدت عليه فشججته ، فأنزل الله { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر } إلى قوله { فهل أنتم منتهون } ونزلت فيَّ { ووصينا الإنسان بوالديه حسناً } [ العنكبوت : 8 ] حملته أمه كرهاً إلى آخر الآية ونزلت { يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة } [ المجادلة : 12 ] فقدمت شعيرة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنك لزهيد ، فنزلت الآية الأخرى { أأشفقتم أن تقدموا . . . } [ المجادلة : 13 ] الآية » .
وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال : إنما نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار ، شربوا فلما أن ثمل القوم عبث بعضهم ببعض ، فلما أن صحوا جعل يرى الرجل منهم الأثر بوجهه وبرأسه ولحيته ، فيقول : صنع بي هذا أخي فلان ، وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن ، والله لو كان بي رؤوفاً ما صنع بي هذا ، حتى وقعت الضغائن في قلوبهم ، فأنزل الله هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر } إلى قوله { فهل أنتم منتهون } فقال ناس من المتكلفين : هي رجس ، وهي في بطن فلان قتل يوم بدر ، وفلان قتل يوم أحد ، فأنزل الله هذه الآية { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } الآية .
وأخرج ابن جرير عن بريدة قال « بينما نحن قعود على شراب لنا ونحن نشرب الخمر جلاء ، إذ قمت حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأسلم عليه وقد نزل تحريم الخمر { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر } إلى قوله { منتهون } فجئت إلى أصحابي فقرأتها عليهم ، قال : وبعض القوم شربته في يده قد شرب بعضاً وبقي بعض في الإناء ، فقال بالإناء تحت شفته العليا كما يفعل الحجام ، ثم صبوا ما في باطيتهم ، فقالوا : انتهينا ربنا » .
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال « يا أهل المدينة إن الله يعرض عن الخمر تعريضاً لا أدري لعله سينزل فيها أمر ، ثم قام فقال : يا أهل المدينة إن الله قد أنزل إليَّ تحريم الخمر ، فمن كتب منكم هذه الآية وعنده منها شيء فلا يشربها » .
وأخرج ابن سعد عن عبد الرحمن بن سابط قال : زعموا أن عثمان بن مظعون حرم الخمر في الجاهلية ، وقال : لا أشرب شيئاً يذهب عقلي ، ويضحك بي من هو أدنى مني ، ويحملني على أن أنكح كريمتي من لا أريد ، فنزلت هذه الآية في سورة المائدة في الخمر ، فمر عليَّ رجل فقال : حرمت الخمر ، وتلا هذه الآية فقال : تباً لها قد كان بصري فيها ثابتاً .
وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير قال « لما نزلت في البقرة { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس } [ البقرة : 219 ] شربها قوم لقوله منافع للناس وتركها قوم لقوله إثم كبير منهم عثمان بن مظعون ، حتى نزلت الآية التي في النساء { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } [ النساء : 43 ] فتركها قوم وشربها قوم ، يتركونها بالنهار حين الصلاة ويشربونها بالليل ، حتى نزلت الآية التي في المائدة { إنما الخمر والميسر . . . } الآية . قال عمر : أقرنت بالميسر والأنصاب والأزلام بعداً لك وسحقاً ، فتركها الناس ووقع في صدور أناس من الناس منها ، فجعل قوم يمر بالراوية من الخمر فتخرق فيمر بها أصحابها فيقولون : قد كنا نكرمك عن هذا المصرع ، وقالوا : ما حرم علينا شيء أشد من الخمر ، حتى جعل الرجل يلقى صاحبه فيقول : إن في نفسي شيئاً . فيقول له صاحبه : لعلك تذكر الخمر . فيقول : نعم . فيقول : إن في نفسي مثل ما في نفسك ، حتى ذكر ذلك قوم واجتمعوا فيه فقالوا : كيف نتكلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم شاهد ، وخافوا أن ينزل فيهم ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أعدوا له حجة ، فقالوا : أرأيت حمزة بن عبد المطلب ، ومصعب بن عمير ، وعبد الله بن جحش أليسوا في الجنة ؟ قال : بلى . قالوا : أليسوا قد مضوا وهم يشربون الخمر ؟ فحرم علينا شيء دخلوا الجنة وهم يشربونه . فقال : قد سمع الله ما قلتم ، فإن شاء أجابكم ، فأنزل الله { إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون } قالوا : انتهينا ، ونزل في الذين ذكروا حمزة وأصحابه { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جُناح فيما طعموا . . . } الآية » .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { يسألونك عن الخمر والميسر } قال : الميسر . هو القمار كله { قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس } قال : فذمهما ولم يحرمهما وهي لهم حلال يومئذ ، ثم أنزل هذه الآية في شأن الخمر وهي أشد منها فقال { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } [ النساء : 43 ] فكان السكر منها حراماً ، ثم أنزل الآية التي في المائدة { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام . . . } إلى قوله { فهل أنتم منتهون } فجاء تحريمها في هذه الآية ، قليلها وكثيرها ، ما أسكر منها وما لم يسكر .
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء قال : أول ما نزل تحريم الخمر { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير . . . } [ البقرة : 219 ] الآية . فقال بعض الناس : نشربها لمنافعها التي فيها ، وقال آخرون لا خير في شيء فيه إثم ، ثم نزلت { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } [ النساء : 43 ] الآية . فقال بعض الناس : نشربها ونجلس في بيوتنا ، وقال آخرون : لا خير في شيء يحول بيننا وبين الصلاة مع المسلمين ، فنزلت { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر . . . } الآية . فانتهوا فنهاهم فانتهوا .
وأخرج عبد بن حميد « عن قتادة في قوله { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } [ النساء : 43 ] قال : كان القوم يشربونها حتى إذا حضرت الصلاة أمسكوا عنها قال : وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال حين أنزلت هذه الآية : قد تقرَّب الله في تحريم الخمر ، ثم حرمها بعد ذلك في سورة المائدة بعد غزوة الأحزاب ، وعلم أنها تسفِّه الأحلام ، وتجهد الأموال ، وتشغل عن ذكر الله وعن الصلاة » .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.