الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَا لَكُمۡ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلۡتُمۡ إِلَى ٱلۡأَرۡضِۚ أَرَضِيتُم بِٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا مِنَ ٱلۡأٓخِرَةِۚ فَمَا مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا فِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} (38)

أخرج سنيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا . . . } الآية . قال : هذا حين أمروا بغزوة تبوك بعد الفتح ، وحنين أمرهم بالنفير في الصيف حين خرقت الأرض فطابت الثمار واشتهوا الظلال وشق عليهم المخرج ، فأنزل الله سبحانه وتعالى { انفروا خفافاً وثقالاً } [ التوبة : 41 ] .

قوله تعالى : { أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل }

وأخرج الحاكم وصححه عن المستور رضي الله عنه قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فتذاكروا الدنيا والآخرة فقال بعضهم : إنما الدنيا بلاغ للآخرة ، فيها العمل وفيها الصلاة وفيها الزكاة ، وقالت طائفة منهم : الآخرة فيها الجنة . وقالوا ما شاء الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما الدنيا في الآخرة إلا كما يمشي أحدكم إلى اليم فأدخل أصبعه فيه فما خرج منه فهي الدنيا » .

وأخرجه أحمد والترمذي وحسنه وابن ماجة عن المستور بن شداد رضي الله عنه قال : « كنت في ركب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ مر بسخلة ميتة فقال «أترون هذه هانت على أهلها حين ألقوها قالوا : من هوانها ألقوها يا رسول الله قال : فالدنيا أهون على الله من هذه على أهلها » .

وأخرج الحاكم وصححه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله جعل الدنيا قليلاً وما بقي منها إلا القليل ، كالثعلب في الغدير شرب صفوه وبقي كدره » .

وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : دخل عمر رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو على حصير قد أثر في جنبه فقال : يا رسول الله لو اتخذت فرشاً أوثر من هذا ؟ فقال « ما لي وللدنيا وما للدنيا وما لي ، والذي نفسي بيده ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة ، ثم راح وتركها » .

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وصححه وابن ماجة والحاكم عن ابن مسعود رضي الله عنه « أن النبي صلى الله عليه وسلم نام على حصير فقام وقد أثر في جنبه ، فقلنا يا رسول الله : لو اتخذنا لك ؟ فقال : ما لي وللدنيا ، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت ظل شجرة ثم راح وتركها » .

وأخرج الحاكم وصححه عن سهل رضي الله عنه قال : « مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة فرأى شاة شائلة برجلها فقال «أترون هذه الشاة هينة على صاحبها ؟ قالوا : نعم يا رسول الله . قال : والذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذه على صاحبها ، ولو كانت تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقي الكافر منها شربة ماء » .

وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من أحب دنياه أضر بآخرته ، ومن أحب آخرته أضرَّ بدنياه ، فآثروا ما يبقى على ما يفنى » .

وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن أبي الدنيا في كتاب المنامات والحاكم وصححه والبيهقي عن النعمان بن بشير رضي الله عنه « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنه لم يبق من الدنيا إلا مثل الذباب تمور في جوها ، فالله الله في إخوانكم من أهل القبور ، فإن أعمالكم تعرض عليهم » .

وأخرج الترمذي والحاكم وصححه والبيهقي عن قتادة بن النعمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا أحب الله عبداً حماه من الدنيا كما يحمي أحدكم مريضه الماء » .

وأخرج أحمد والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : حلوة الدنيا مرة الآخرة ، ومرة الدنيا حلوة الآخرة » .

وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن أبي حجيفة قال : أكلت لحماً كثيراً وثريداً ، ثم جئت فقعدت قبال النبي صلى الله عليه وسلم فجعلت أتجشأ ، فقال « اقصر من جشائك ، فإن أكثر الناس شبعاً في الدنيا أكثرهم جوعاً في الآخرة » .

وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال النبي صلى الله عليه وسلم « يا عائشة إن أردت اللحوق بي فليكفك من الدنيا كزاد الراكب ، ولا تستخلقي ثوباً حتى ترقعيه ، وإياك ومجالسة الأغنياء » .

وأخرج الحاكم وصححه وضعفه الذهبي عن سعد بن طارق رضي الله عنه عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « نعمت الدار الدنيا لمن تزوّد منها لآخرته حتى يرضي ربه ، وبئست الدار لمن صدته عن آخرته وقصرت به عن رضا ربه ، وإذا قال العبد : قبَّح الله الدنيا . قالت الدنيا : قبح الله أعصانا لربه » .

وأخرج ابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي عن سهل بن سعد رضي الله عنه « أن النبي صلى الله عليه وسلم وعظ رجلاً فقال : ازهد الدنيا يحبك الله ، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس » .

وأخرج أحمد والحاكم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الدنيا سجن المؤمن وسننه ، فإذا خرج من الدنيا فارق السجن والسنة » .

وأخرج الحاكم والبيهقي عن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من أصبح والدنيا أكبر همه فليس من الله في شيء ، ومن لم يهتم للمسلمين فليس منهم » .

وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن الأعمش عن أبي سفيان رضي الله عنه عن أشياخه قال : دخل سعد رضي الله عنه على سلمان يعوده ، فبكى فقال سعد : ما يبكيك يا أبا عبد الله ؟ قال : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنك راض ، وترد عليه الحوض ، وتلقى أصحابك . قال : ما أبكي جزعاً من الموت ولا حرصاً على الدنيا ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلينا عهداً . قال « ليكن بلغة أحدكم من الدنيا كزاد الراكب » وحولي هذه الأساودة ، وإنما حوله اجانة وجفنة ومطهرة .

وأخرج الحاكم وصححه عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يأتي على الناس زمان يتحلقون في مساجدهم وليس همهم إلا الدنيا ، ليس لله فيهم حاجة فلا تجالسوهم » .

وأخرج الحاكم وصححه وضعفه الذهبي عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « اقتربت الساعة ولا يزداد الناس على الدنيا إلا حرصاً ، ولا يزدادون من الله إلا بعداً » .

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن سفيان قال : كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري قال : لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح ذبابة ما سقى منها كافراً شربة ماء .

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم والترمذي والنسائي وابن أبي حاتم وابن مردويه عن المستورد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم أصبعه في اليم ثم يرفعها فلينظر ثم يرجع » .

وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي عثمان النهدي قال : قلت يا أبا هريرة : سمعت إخواني بالبصرة يزعمون أنك تقول : سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول « إن الله يجزي بالحسنة ألف ألف حسنة ؟ فقال أبو هريرة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله يجزي بالحسنة ألفي ألف حسنة ، ثم تلا هذه الآية { فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل } فالدنيا ما مضى منها إلى ما بقي منها عند الله قليل ، وقال { من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة } [ البقرة : 245 ] فكيف الكثير عند الله تعالى إذا كانت الدنيا ما مضى منها وما بقي عند الله قليل » .

وأخرج ابن أبي حاتم عن الأعمش في قوله { فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل } كزاد الراعي .

وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي حازم قال : لما حضرت عبد العزيز بن مروان الوفاة قال : ائتوني بكفني الذي أكفن فيه أنظر إليه ، فلما وضع بين يديه نظر إليه فقال : أمالي كثير ما أخلف من الدنيا إلا هذا ؟ ثم ولى ظهره وبكى وقال : أف لك من دار إن كان كثيرك القليل ، وإن كان قليلك الكثير ، وإن كنا منك لفي غرور .