الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَا لَكُمۡ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلۡتُمۡ إِلَى ٱلۡأَرۡضِۚ أَرَضِيتُم بِٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا مِنَ ٱلۡأٓخِرَةِۚ فَمَا مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا فِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} (38)

وقوله سبحانه : { يا أيها الذين آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفروا فِي سَبِيلِ الله اثاقلتم إِلَى الأرض } [ التوبة : 38 ] .

هذه الآيةُ بلا خلافٍ أنها نزلَتْ عتاباً على تخلُّف من تخلَّف عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في غزوة تَبُوكَ ، وكانَتْ سنةَ تسْعٍ من الهجرةِ بعد الفَتْح بعامٍ ، غزا فيها الرُّوم في عِشْرينَ ألْفاً بين راكبٍ وراجلٍ ، والنَّفْر : هو التنقُّل بسرعة من مكانٍ إلى مكانٍ ، وقوله : «أثاقلتم » أصله تَثَاقَلْتُمْ ، وكذلك قرأ الأعمش وهو نحو قوله : { أَخْلَدَ إِلَى الأرض } [ الأعراف : 176 ] .

وقوله : { أَرَضِيتُم } تقريرٌ ، والمعنى : أرضيتمْ نَزْرَ الدنيا ، عَلى خطيرِ الآخرةِ ، وحَظِّها الأَسْعَد ، قَالَ ابنُ هِشامٍ ف«مِنْ » من قوله : { مِنَ الأخرة } للبدل . انتهى . ثم أخبر سبحانه ، أنَّ الدنيا بالإِضافة إِلى الآخرة قليلٌ نَزْرٌ ، فتعطي قُوةُ الكلام التعجُّبَ مِنْ ضلالِ مَنْ يرضَى النزْرَ الفانِيَ بَدَل الكثير الباقي .

( ت ) : وفي «صحيح مُسْلم » و«الترمذيِّ » ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( مَا الدُّنْيَا في الآخرة إِلاَّ مَثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ في اليَمِّ ، فَلْيَنْظُرْ بِمَاذَا تَرْجعٌ ) قال أبو عيسَى : هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ . انتهى .