تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَا لَكُمۡ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلۡتُمۡ إِلَى ٱلۡأَرۡضِۚ أَرَضِيتُم بِٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا مِنَ ٱلۡأٓخِرَةِۚ فَمَا مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا فِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} (38)

ألا ترى أنه قال في الآية التي تلي[ في الأصل وم : تتلو ] هذه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ ) ؟ قال بعضهم : الآية في المنافقين الذين تخلفوا عن رسول الله في غزوة تبوك كقوله : ( وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدنية ) الآية[ التوبةك101 ] فيُفهم [ من ][ ساقطة من الأصل وم ] ذكر ذلك الوعيد .

وقال بعضهم : الآية في المؤمنين أمروا أن ينفروا ( فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ ) قيل : استثقلتم النفر في سبيل [ الله ][ من م ، ساقطة من الأصل ] وأقمتم . ويحتمل التثاقل ، وهو[ الواو ساقطة من الأصل وم ] أن يروا من أنفسهم الثقل من غير أن قاموا كما يقال : يتصامم ، ويتعامى من غير أن كان به الصمم أو العمى ، ولكن لما يرى من نفسه ذلك .

وقال بعض أهل الأدب : قوله : ( أثاقلتم )[ أي تثاقلتم ][ من م ، ساقطة من الأصل ] وركنتم إلى المقام ، وذلك في القرآن كثير كقوله : ( حتى إذا ادراكوا فيها جميعا )[ الأعراف : 38 ] أي تداركوا .

وقوله تعالى : ( أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ ) أي ما منعكم في الدنيا قليل بما وعد أن يمتعكم في الآخرة .

أو أن يقال : متاع الحياة الدنيا من أولها إلى آخر ما تنتعي أقل[ في الأصل وم : قليل ] من متاع الآخرة وكراماتها لأن كرامات الدنيا على شرف الزوال وكرامات الآخرة على الدوام أبدا .

أو أن يقول : متاع الحياة الدنيا أقل[ في الأصل وم : قليل ] من متاع الآخرة لأن متاع الدنيا ومنافعها تشوبه الآفات والمضرات ، ومتاع الآخرة لا تشوبه الآفات والمضرات .

قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) الآية عاتب المؤمنين بالتثاقل والإخلاد[ في الأصل وم : بالخروج ] إلى الأرض ونهاهم عن الركون إلى الدنيا .

وقوله تعالى : ( إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ) أي لما أحدث أولئك الملوك من تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله زيادة في كفر أولئك أحدثوا من وقت إحداثِهِم .

وقوله تعالى : ( يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا ) يحتمل وجهين : يحتمل ( يضل به الذين كفروا ) أي يهلك به الذين كفروا أي الذين أحدثوا . أو يحتمل ( يضل به الذين كفروا ) أي ما أحدث أولئك الملوك إنما أحدثوا ليضل به الأتباع ، يحلونه .

فأما ما ذكر في القصة أنهم كانوا يستحلون المحرم عاما ، فيصيبون فيه الدماء والأموال ، ويحرمونه عاما فلا يستحلون فيه الدماء والأموال .

وقوله تعالى : ( لِيُوَاطِئُوا/213-ب/ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ ) قيل ليوافقوا عدة ما حرم الله : كان عندهم أن التحريم إنما كان بعدد الأشهر للأشهر ، فحفظوا عدد الأشهر ، ولم يحفظوا الوقت . وذلك تأويل قوله ( لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ ) أي زين تأخير المحلل وتقديم المحرم ( والله لا يهدي القوم الكافرين ) قيل : ل يهديهم وقت اختيارهم الكفر ، أو لا يهديهم في الآخرة طريق الجنة لكفرهم في الدنيا . وقد ذكرنا تأويله في غير موضع .

قال أبو عوسجة : النسيء التأخير ؛ يقال : نسأت الشهر أي أخرته ، ويقال : أنسأ الله في أجلك أي أخر الله ، وقوله : ( ليواطئوا ) والمواطأة : أن يدخلوا شهر مكان شهر ، وهو التتابع ؛ يقال : تواطأ القوم على حديث كذا وكذا أي تتابعوا ، وواطأت فلانا أي تابعته .

وقال القتبي : النسيء التأخير ، وكانوا يؤخرون تحريم المحرم منها سنة ، ويحرمون غير مكانة لحاجتهم إلى القتال فيه ، ثم يردونه إلى التحريم في سنة[ في الأصل وم : صفة ] أخرى ؛ كأنهم يستنون ذلك ليواطئوا أي ليوافقوا عدة ما حرم الله بقول : إذا حرموا من الشهور عدد الشهور المحرمة لم ينالوا أن يحلوا الحرام ، ويحرموا الحلال .