الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَا لَكُمۡ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلۡتُمۡ إِلَى ٱلۡأَرۡضِۚ أَرَضِيتُم بِٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا مِنَ ٱلۡأٓخِرَةِۚ فَمَا مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا فِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} (38)

{ يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ } الآية فيها حثٌّ من الله سبحانه لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على غزوة تبوك ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من الطائف أمر بالجهاد لغزوة الروم ، وذلك في زمان عسرة من الناس وجدب من البلاد وشدة من الحر [ حين ] فأحرقت النخل وطابت الثمار وعظم على الناس غزوة الروم ، وأحبّوا الظلال والمقام في المسكن والمال ، فشقّ عليهم الخروج إلى القتال ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلَّ ماخرج في غزوة الاّ كنّى عنها وورّى بغيرها إلا غزوة تبوك لبُعد شقتها وكثرة العدو ليتأهب الناس وأمرهم بالجهاد ، وأخبرهم بالذي يريد ، فلمّا علم الله تثاقل الناس ، انزل الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا مالكم أي شيء أمركم { إِذَا قِيلَ لَكُمُ } إذا قال لكم رسول الله { انفِرُواْ } اخرجوا { فِي سَبِيلِ اللَّهِ } وأصل النفر مفارقة مكان إلى مكان آخر لأمر هاج على ذلك ، فقالت نفر فلان إلى ثغر كذا ، ينفر نفراً ونفوراً ، ومنه نفور الدابة ونفارها { اثَّاقَلْتُمْ } تباطأتم .

قال المبرّد : أخلدْتم { إِلَى الأَرْضِ } ومعناه : لزمتم أرضكم ومساكنكم ، وأصله تثاقلتم فأُدغمت التاء في الثاء وأخرجت لها الف يوصل إلى الكلام بها حين الابتداء بها ، كقوله

{ حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا } [ الأعراف : 38 ]وقالوا : اطّيرنا وأرجفت ، العلاء والكسائي .

تولى الضجيج إذا ما اشتاقها خضرا *** عذب المذاق إذا ما اتابع القبل

أي إذا تتابع .

{ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ } أي أرضيتم الدنيا ودِعتها عوضاً من نعيم الآخرة وثوابها { فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ } ثم أوعدهم على ترك الجهاد