تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَا لَكُمۡ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلۡتُمۡ إِلَى ٱلۡأَرۡضِۚ أَرَضِيتُم بِٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا مِنَ ٱلۡأٓخِرَةِۚ فَمَا مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا فِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} (38)

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيل ( 38 ) إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ( 39 ) }

المفردات :

انفروا في سبيل الله : اخرجوا للجهاد في سبيله .

اثاقلتم : تباطأتم .

متاع الحياة الدنيا : المراد من متاعها : التمتع بلذائذها .

التفسير :

38 – { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ . . . . }الآية .

سبب نزول هذه الآيات وما بعدها : أن النبي صلى الله عليه وسلم استنفر أصحابه ؛ ليخرجوا معه في غزوة تبوك ، وكانت سنة تسع من الهجرة بعد الفتح بعام .

وكان الحر شديدا ، وبالناس عسر وقحط ، وقد نضجت ثمار المدينة وطابت ظلالها .

وتبوك في منتصف الطريق بين المدينة ودمشق ، تبعد عن الأولى 690 كم ، وعن الثانية 692 كم ؛ فالشقة بعيدة ، والعدو قوي وكثير ، فشق عليهم ذلك ، وتباطئوا في الاستجابة ، فنزلت هذه الآيات ؛ تحثهم على التضحية بالنفس والمال في سبيل الله .

والمعنى :

يا أيها المؤمنون بالله ورسوله ، أي شيء حصل لكم ؟ فثبطكم عن النهوض للجهاد ؟ حين قال لكم الرسول الأمين : انفروا في سبيل الله لقتال الروم الذين تجهزوا لقتالكم ؛ ثتاقلتم وتكاسلتم وملتم إلى الراحة وطيب الثمار ، والتفيؤ في الظلال ، وكرهتم مشاق الغزو ومتاعبه .

من كتب السيرة

جاء في سيرة ابن هشام وغيرها من كتب السيرة النبوية : أن سبب هذه الغزوة ؛ استعداد الروم والقبائل العربية المنتصرة من لخم وجذام وغيرهم ، وتجهيز جيش كثيف لغزو المدينة بقيادة( قباذ ) وعدد جنده أربعون ألفا .

فندب النبي صلى الله عليه وسلم الناس للخروج لمقاتلتهم وكان عثمان قد جهز عيرا إلى الشام للتجارة ، فقال : يا رسول الله ، هذه مائتا بعير بأقتابها وأحلاسها ، ومائتا أوقية( من الفضة ) ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم " 73 .

" ولما لم يجد النبي من يقاتله عاد إلى المدينة ، بسبب انسحاب الروم ، وعدولهم عن فكرة الزحف ؛ واقتحام الحدود ، ولكن كان لهذه الغزوة أثر معنوي كبير ، في نظر العرب والروم ، فكانت كفتح مكة ؛ لأنها كانت احتكاكا بأعظم قوة حينذاك ، وأثرت على المدى البعيد في نفوس الأعداء ، بعد أن كان العرب يخشون غزو الروم في عقر دارهم ، وقد مهد الله بهذه العزوة . لغزو المسلمين للشام في عهد الخليفتين : أبى بكر وعمر74 " .

{ أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل } .

أرضيتم بلذات الحياة الدنيا الزائدة بدلا من الآخرة ونعيمها الدائم ؟

إن كنتم فعلتم ذلك ؛ فقد تركتم الخير الكثير في سبيل الشيء الحقير ؛ فما متاع الحياة الدنيا في جنب متاع الآخرة إلا قليل ؛ لا ينبغي أن يحرص عليه ؛ لأنه لا يصلح عوضا عن المتاع الكثير في الآخرة .

روى الإمام أحمد ومسلم والترمذي : عن المستورد أخي بني فهر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم إصبعه هذه في اليم فلينظر بم ترجع ؟ " 75 وأشار بالسبابة .

وروى ابن أبي حاتم : عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله يجزي بالحسنة ألفي ألف حسنة " ، ثم تلا هذه الآية : { فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل }76 .