قوله : { وَمَا كَانَ هذا القرآن أَن يفترى مِن دُونِ الله } لما فرغ سبحانه من دلائل التوحيد وحججه ، شرع في تثبيت أمر النبوّة : أي وما صح وما استقام أن يكون هذا القرآن المشتمل على الحجج البيّنة ، والبراهين الواضحة ، يفترى من الخلق من دون الله ، وإنما هو من عند الله عزّ وجلّ ، وكيف يصح أن يكون مفترى ، وقد عجز عن الإتيان بسورة منه القوم الذين هم أفصح العرب لساناً وأدقهم أذهاناً { ولكن } كان هذا القرآن { تَصْدِيقَ الذي بَيْنَ يَدَيْهِ } من الكتب المنزلة على الأنبياء ، ونفس هذا التصديق معجزة مستقلة ؛ لأن أقاصيصه موافقة لما في الكتب المتقدمة ، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم ، لم يطلع على ذلك ولا تعلمه ولا سأل عنه ، ولا اتصل بمن له علم بذلك ، وانتصاب تصديق على أنه خبر لكان المقدرة بعد " لكن " ، ويجوز أن يكون انتصابه على العلية لفعل محذوف ، أي لكن أنزله الله تصديق الذي بين يديه . قال الفراء : ومعنى الآية ، وما ينبغي لهذا القرآن أن يفترى ، كقوله : { وَمَا كَانَ لِنَبِيّ أَنْ يَغُلَّ } { وَمَا كَانَ المؤمنون لِيَنفِرُواْ كَافَّةً } . وقيل : إن { أن } بمعنى اللام ، أي : وما كان هذا القرآن ليفترى . وقيل : بمعنى لا : أي لا يفترى ، قال الكسائي والفراء : إن التقدير في قوله : { ولكن تَصْدِيقَ } ولكن كان تصديق ، ويجوز عندهما الرفع ، أي : ولكن هو تصديق . وقيل : المعنى : ولكن القرآن تصديق { الذي بَيْنَ يَدَيْهِ } من الكتب ، أي أنها قد بشرت به قبل نزوله ، فجاء مصدّقاً لها . قيل : المعنى : ولكن تصديق النبيّ الذي بين يدي القرآن ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم ؛ لأنهم شاهدوه قبل أن يسمعوا منه القرآن . قوله : { وَتَفْصِيلَ الكتاب } عطف على قوله : { ولكن تَصْدِيقَ الذي بَيْنَ يَدَيْهِ } فيجيء فيه الرفع والنصب على الوجهين المذكورين في تصديق ، والتفصيل : التبيين ، أي يبين ما في كتب الله المتقدّمة ، والكتاب للجنس .
وقيل : المراد ما بين في القرآن من الأحكام ، فيكون المراد بالكتاب : القرآن . قوله : { لاَ رَيْبَ فِيهِ } الضمير عائد إلى القرآن ، وهو داخل في حكم الاستدراك خبر ثالث ، ويجوز أن تكون هذه الجملة في محل نصب على الحال من الكتاب ، ويجوز أن تكون الجملة استئنافية لا محلّ لها ، و { مِن ربّ العالمين } خبر رابع : أي كائن من ربّ العالمين ، ويجوز أن يكون حالاً من الكتاب ، أو من ضمير القرآن في قوله : { لاَ رَيْبَ فِيهِ } أي : كائناً من ربّ العالمين ، ويجوز أن يكون متعلقاً بتصديق وتفصيل ، وجملة { لاَ رَيْبَ فِيهِ } معترضة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.