فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{۞لِّلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ ٱلۡحُسۡنَىٰ وَزِيَادَةٞۖ وَلَا يَرۡهَقُ وُجُوهَهُمۡ قَتَرٞ وَلَا ذِلَّةٌۚ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (26)

ثم قسم سبحانه أهل الدعوة إلى قسمين ، وبين حال كل طائفة فقال : { لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى وَزِيَادَة } أي : الذين أحسنوا بالقيام بما أوجبه الله عليهم من الأعمال ، والكفّ عما نهاهم عنه من المعاصي ، والمراد بالحسنى المثوبة الحسنى . قال ابن الأنباري : العرب توقع هذه اللفظة على الخصلة المحبوبة المرغوب فيها ، ولذلك ترك موصوفها ؛ وقيل المراد بالحسنى : الجنة ، وأما الزيادة فقيل المراد بها : ما يزيد على المثوبة من التفضل ، كقوله : { لِيُوَفّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ } وقيل الزيادة : النظر إلى وجهه الكريم . وقيل : الزيادة : هي : مضاعفة الحسنة إلى عشر أمثالها . وقيل : الزيادة : غرفة من لؤلؤ ، وقيل الزيادة : مغفرة من الله ورضوان . وقيل : هي أنه سبحانه يعطيهم في الدنيا من فضله ما لا يحاسبهم عليه . وقيل : غير ذلك ، مما لا فائدة في ذكره ، وسيأتي بيان ما هو الحق في آخر البحث : { وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَر وَلاَ ذِلَّة } معنى { يرهق } : يلحق ، ومنه قيل : غلام مراهق ، إذا لحق بالرجال ، وقيل يعلو ، وقيل يغشى ، والمعنى متقارب ؛ والقتر : الغبار ، ومنه قول الفرزدق :

متوّج برداء الملك يتبعه *** موج ترى فوقه الرايات والقترا

وقرأ الحسن «قتر » بإسكان المثناة ، والمعنى واحد ، قاله النحاس ، وواحد القتر قترة ، والذلة : ما يظهر على الوجه من الخضوع والإنكسار والهوان ، والمعنى : أنه لا يعلو وجوههم غبرة ، ولا يظهر فيها هوان ؛ وقيل القتر : الكآبة ، وقيل : سواد الوجوه ، وقيل : هو دخان النار { أُوْلَئِكَ أصحاب الجنة هُمْ فِيهَا خالدون } الإشارة إلى المتصفين بالصفات السابقة هم أصحاب الجنة الخالدون فيها ، المتنعمون بأنواع نعيمها .

/خ30