ثم بين سبحانه جلالة ملكه وعظمة سلطانه فقال : { يُسَبّحُ لَهُ السماوات السبع والأرض وَمَن فِيهِنَّ } قرئ بالمثناة التحتية في يسبح ، وبالفوقية ، وقال : { فيهنّ } بضمير العقلاء لإسناده إليها التسبيح الذي هو فعل العقلاء ، وقد أخبر سبحانه عن السماوات والأرض بأنها تسبحه ، وكذلك من فيها من مخلوقاته الذين لهم عقول وهم الملائكة والإنس والجن وغيرهم من الأشياء التي لا تعقل ، ثم زاد ذلك تعميماً وتأكيداً فقال : { وَإِن مّن شَيء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ } فشمل كل ما يسمى شيئاً كائناً ما كان ، وقيل : إنه يحمل قوله : { وَمَن فِيهِنَّ } على الملائكة والثقلين ، ويحمل { وَإِن مّن شَيء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ } على ما عدا ذلك من المخلوقات .
وقد اختلف أهل العلم في هذا العموم هل هو مخصوص أم لا ؟ فقالت طائفة : ليس بمخصوص ، وحملوا التسبيح على تسبيح الدلالة ، لأن كل مخلوق يشهد على نفسه ويدلّ غيره بأن الله خالق قادر . وقالت طائفة : هذا التسبيح على حقيقته والعموم على ظاهره . والمراد أن كل المخلوقات تسبح لله سبحانه هذا التسبيح الذي معناه التنزيه وإن كان البشر لا يسمعون ذلك ولا يفهمونه ، ويؤيد هذا قوله سبحانه : { ولكن لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } فإنه لو كان المراد تسبيح الدلالة لكان أمراً مفهوماً لكل أحد . وأجيب : بأن المراد بقوله { لاَ تَفْقَهُونَ } الكفار الذين يعرضون عن الاعتبار . وقالت طائفة : إن هذا العموم مخصوص بالملائكة والثقلين دون الجمادات ، وقيل : خاص بالأجسام النامية فيدخل النباتات ، كما روي هذا القول عن عكرمة والحسن وخصا تسبيح النباتات بوقت نموها لا بعد قطعها وقد استدلّ لذلك بحديث : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ على قبرين ) وفيه : ( ثم دعا بعسيب رطب فشقه اثنين ، وقال : إنه يخفف عنهما ما لم ييبسا ) ويؤيد حمل الآية على العموم قوله : { إِنَّا سَخَّرْنَا الجبال مَعَهُ يُسَبّحْنَ بالعشي والإشراق } [ ص : 18 ] . وقوله : { وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ الله } [ البقرة : 74 ] . وقوله : { وَتَخِرُّ الجبال هَدّاً } [ مريم : 90 ] ، ونحو ذلك من الآيات . وثبت في الصحيح أنهم كانوا يسمعون تسبيح الطعام ، وهم يأكلون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهكذا حديث حنين الجذع ، وحديث : أن حجراً بمكة كان يسلّم على النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وكلها في الصحيح ، ومن ذلك تسبيح الحصى في كفه صلى الله عليه وسلم ، ومدافعة عموم هذه الآية بمجرّد الاستبعادات ليس دأب من يؤمن بالله سبحانه ويؤمن بما جاء من عنده . ومعنى { إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ } إلاّ يسبح متلبساً بحمده { ولكن لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } . قرأ الحسن ، وأبو عمرو ، ويعقوب ، وحفص ، وحمزة ، والكسائي ، وخلف ( تسبح ) بالمثناة الفوقية على الخطاب ، وقرأ الباقون بالتحتية ، واختار هذه القراءة أبو عبيد { إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا } فمن حلمه الإمهال لكم وعدم إنزال عقوبته عليكم ، ومن مغفرته لكم أنه لا يؤاخذ من تاب منكم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.