فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَقُلِ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَن شَآءَ فَلۡيُؤۡمِن وَمَن شَآءَ فَلۡيَكۡفُرۡۚ إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلظَّـٰلِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمۡ سُرَادِقُهَاۚ وَإِن يَسۡتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٖ كَٱلۡمُهۡلِ يَشۡوِي ٱلۡوُجُوهَۚ بِئۡسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتۡ مُرۡتَفَقًا} (29)

ثم بيّن سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم ما يقوله لأولئك الغافلين ، فقال : { وَقُلِ الحق مِن ربّكُمْ } أي قل لهم : إن ما أوحي إليك وأمرت بتلاوته هو الحق الكائن من جهة الله ، لا من جهة غيره حتى يمكن فيه التبديل والتغيير ، وقيل : المراد بالحق الصبر مع الفقراء . قال الزجاج : أي الذين أتيتكم به { الحق مِن ربّكُمْ } يعني : لم آتكم به من قبل نفسي إنما أتيتكم به من الله { فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ } قيل : هو من تمام القول الذي أمر رسوله أن يقوله ، والفاء لترتيب ما قبلها على ما بعدها ، ويجوز أن يكون من كلام الله سبحانه لا من القول الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفيه تهديد شديد ، ويكون المعنى : قل لهم يا محمد الحق من ربكم وبعد أن تقول لهم هذا القول ، من شاء أن يؤمن بالله ويصدّقك فليؤمن ، ومن شاء أن يكفر به ويكذبك فليكفر . ثم أكد الوعيد وشدّده فقال : { إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ } أي : أعددنا وهيأنا للظالمين الذين اختاروا الكفر بالله والجحد له والإنكار لأنبيائه ناراً عظيمة { أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا } أي : اشتمل عليهم . والسرادق : واحد السرادقات . قال الجوهري : وهي التي تمد فوق صحن الدار ، وكل بيت من كرسف فهو سرادق ، ومنه قول رؤبة :

يا حكم بن المنذر بن جارود *** سرادق المجد عليك ممدود

وقال الشاعر :

هو المدخل النعمان بيتاً سماؤه *** صدور الفيول بعد بيت مسردق

يقوله سلام بن جندل لما قتل ملك الفرس ملك العرب النعمان بن المنذر تحت أرجل الفيلة . وقال ابن الأعرابي : سرادقها : سورها . وقال القتيبي : السرادق : الحجرة التي تكون حول الفسطاط . والمعنى : أنه أحاط بالكفار سرادق النار على تشبيه ما يحيط بهم من النار بالسرادق المحيط بمن فيه { وَإِن يَسْتَغِيثُوا } من حرّ النار { يُغَاثُوا بِمَاء كالمهل } وهو : الحديد المذاب . قال الزجاج : إنهم يغاثون بماء كالرصاص المذاب أو الصفر ، وقيل : هو درديّ الزيت . وقال أبو عبيدة والأخفش : هو كل ما أذيب من جواهر الأرض من حديد ورصاص ونحاس . وقيل : هو ضرب من القطران . ثم وصف هذا الماء الذي يغاثون به بأنه { يَشْوِى الوجوه } إذا قدّم إليهم صارت وجوههم مشوية لحرارته { بِئْسَ الشراب } شرابهم هذا { وَسَاءتْ } النار { مُرْتَفَقًا } متكأً ، يقال : ارتفقت أي : اتكأت ، وأصل الارتفاق : نصب المرفق ، ويقال : ارتفق الرجل إذا نام على مرفقه ، وقال القتيبي : هو المجلس ، وقيل ، المجتمع .

/خ31