وقوله : { إِذْ نجيناكم } متعلق بقوله { اذكروا } والنجاة : النجوة من الأرض ، وهي ما ارتفع منها ، ثم سمي كل فائز ناجياً . وآل فرعون : قومه ، وأصل آل : أهل بدليل تصغيره على أُهيل ، وقيل غير ذلك ، وهو يضاف إلى ذوي الخطر . وقال الأخفش : إنما يقال في الرئيس الأعظم نحو آل محمد . ولا يضاف إلى البلدان ، فلا يقال من آل المدينة . وقال الأخفش : قد سمعناه في البلدان قالوا آل المدينة . واختلفوا هل يضاف إلى المضمر أم لا . فمنعه قوم وسوّغه آخرون ، وهو الحق ، ومنه قول عبد المطلب :
وانصر على آل الصلي *** ب وعابديه اليوم آلك
وفرعون : قيل هو اسم ذلك الملك بعينه . وقيل إنه اسم لكل ملك من ملوك العمالقة كما يسمى من ملك الفرس كسرى ، ومن ملك الروم قيصر ، ومن ملك الحبشة النجاشي . واسم فرعون موسى المذكور هنا قابوس في قول أهل الكتاب . وقال وهب : اسمه الوليد بن مصعب بن الريان . قال المسعودي : لا يعرف لفرعون تفسير بالعربية .
وقال الجوهري : إن كل عات يقال له فرعون ، وقد تفرعن وهو ذو فرعنة : أي : دهاء ومكر . وقال في الكشاف : تفرعَن فلان : إذا عتا وتجبر .
ومعنى قوله : { يَسُومُونَكُمْ } يولونكم ، قاله أبو عبيدة ، وقيل يذيقونكم ، ويلزمونكم إياه ، وأصل السوم الدوام ، ومنه سائمة الغنم لمداومتها الرعي ، ويقال : سامه خطة خسف : إذا أولاه إياها . وقال في الكشاف : أصله من سام السلعة إذا طلبها ، كأنه بمعنى : يبغونكم سوء العذاب ، ويريدونكم عليه انتهى . { وسوء العذاب } : أشدّه ، وهو صفة مصدر محذوف ، أي يسومونكم سوماً سوء العذاب ، ويجوز أن يكون مفعولاً ثانياً ، وهذه الجملة في محل رفع على أنها خبر لمبتدأ مقدّر ، ويجوز أن يكون في محل نصب على الحال أي : سائمين لكم .
وقوله : { يُذَبّحُونَ } وما بعده بدل من قوله : { يَسُومُونَكُمْ } وقال الفراء : إنه تفسير لما قبله ، وقرأه الجماعة بالتشديد ، وقرأ ابن محيصن بالتخفيف . والذبح في الأصل : الشقّ ، وهو فرى أوداج المذبوح ، والمراد بقوله تعالى : { وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ } يتركونهن أحياء ؛ ليستخدموهنّ ، ويمتهنوهنّ وإنما أمر بذبح الأبناء ، واستحياء البنات ، لأن الكهنة أخبروه بأنه يولد مولود يكون هلاكه على يده ، وعبر عن البنات باسم النساء ؛ لأنه جنس يصدق على البنات . وقالت طائفة : إنه أمر بذبح الرجال ، واستدلوا بقوله : { نِسَاءكُمْ } والأوّل أصح بشهادة السبب . ولا يخفى ما في قتل الأبناء ، واستحياء البنات للخدمة ونحوها ، من إنزال الذلّ بهم ، وإلصاق الإهانة الشديدة بجميعهم لما في ذلك من العار . والإشارة بقوله : { وَفِى ذلكم } إلى جملة الأمر ، والبلاء يطلق تارة على الخير ، وتارة على الشرّ ، فإن أريد به هنا الشرّ كانت الإشارة بقوله : { وَفِى ذلكم بَلاء } إلى ما حلّ بهم من النقمة بالذبح ونحوه ، وإن أريد به الخير كانت الإشارة إلى النعمة التي أنعم الله عليهم بالإنجاء ، وما هو مذكور قبله من تفضيلهم على العالمين . وقد اختلف السلف ومن بعدهم في مرجع الإشارة ، فرجح الجمهور الأوّل ، ورجح الآخرون الآخر . قال ابن جرير : وأكثر ما يقال في الشرّ بلوته أبلوه بلاء ، وفي الخير أبلية إبلاء وبلاء ، قال زهير :
جَزَى الله بِالإحْسانِ مَا فَعَلا بِكُم *** وأبلاهما خَيْر البَلاءِ الذي يَبْلُو
قال : فجمع بين اللغتين لأنه أراد ، فأنعم عليهما خير النعم التي يختبر بها عباده .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.