فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ إِنَّكُمۡ ظَلَمۡتُمۡ أَنفُسَكُم بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلۡعِجۡلَ فَتُوبُوٓاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمۡ فَٱقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ عِندَ بَارِئِكُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ} (54)

قوله : { يَا قَوْمٌ } القوم يطلق تارة على الرجال دون النساء ، ومنه قول زهير :

وَمَا أدْرِي وَسَوف إخَالُ أدْرِي *** أقَومٌ آل حِصْنٍ أَمْ نِسَاء

ومنه قوله تعالى : { لا يَسْخَرْ قَوْمٌ من قَوْمٍ } [ الحجرات : 11 ] ، ثم قال : { وَلاَ نِسَاء من نّسَاء } [ الحجرات : 11 ] ، ومنه { وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ } [ الأعراف : 80 ] أراد الرجال ، وقد يطلق على الجميع كقوله تعالى : { إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إلى قَوْمِهِ } [ نوح : 1 ] والمراد هنا بالقوم : عبدةُ العجل . والبارئ : الخالق . وقيل إن البارئ هو المبدع المحدث ، والخالق هو المقدّر الناقل من حال إلى حال . وفي ذكر البارئ هنا إشارة إلى عظيم جرمهم ، أي : فتوبوا إلى الذي خلقكم ، وقد عبدتم معه غيره . والفاء في قوله : «فتوبوا » للسببية : أي : لتسبب التوبة عن الظلم ، وفي قوله : { فاقتلوا } للتعقيب ، أي : اجعلوا القتل متعقباً للتوبة . قال القرطبي : وأجمعوا على أنه لم يؤمر كل واحد من عبدة العجل بأن يقتل نفسه بيده . قيل : قاموا صفين ، وقتل بعضهم بعضاً . وقيل : وقف الذين عبدوا العجل ، ودخل الذين لم يعبدوه عليهم بالسلاح فقتلوهم . وقوله : { فَتَابَ عَلَيْكُمْ } قيل : في الكلام حذف أي : فقتلتم نفسكم ، { فتاب عليكم } أي : على الباقين منكم . وقيل : هو جواب شرط محذوف ، كأنه قال : فإن فعلتم ، فقد تاب عليكم . وأما ما قاله صاحب الكشاف من أنه يجوز أن يكون خطاباً من الله لهم على طريقة الالتفات ، فيكون التقدير : ففعلتم ما أمركم به موسى فتاب عليكم بارئكم ، فهو بعيد جداً كما لا يخفى .

/خ54