فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{خُلِقَ ٱلۡإِنسَٰنُ مِنۡ عَجَلٖۚ سَأُوْرِيكُمۡ ءَايَٰتِي فَلَا تَسۡتَعۡجِلُونِ} (37)

{ خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ } أي جعل لفرط استعجاله كأنه مخلوق من العجل . قال الفراء : كأنه يقول : بنيته وخلقته من العجلة وعلى العجلة . وقال الزجاج : خوطبت العرب بما تعقل ، والعرب تقول للذي يكثر منه الشيء : خلقت منه كما تقول : أنت من لعب ، وخلقت من لعب ، تريد المبالغة في وصفه بذلك . ويدل على هذا المعنى قوله : { وَكَانَ الإنسان عَجُولاً } [ الإسراء : 11 ] . والمراد بالإنسان : الجنس . وقيل : المراد بالإنسان : آدم ، فإنه لما خلقه الله ونفخ فيه الروح صار الروح في رأسه ، فذهب لينهض قبل أن تبلغ الروح إلى رجليه فوقع ، فقيل : { خلق الإنسان من عجل } ، كذا قال عكرمة وسعيد بن جبير والسديّ والكلبي ومجاهد وقال أبو عبيدة وكثير من أهل المعاني : العجل : الطين بلغة حمير . وأنشدوا :

والنخل تنبت بين الماء والعجل *** . . .

وقيل : إن هذه الآية نزلت في النضر بن الحارث ، وهو القائل : { اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ } [ الأنفال : 32 ] . وقيل : نزلت في قريش لأنهم استعجلوا العذاب . وقال الأخفش : معنى خلق الإنسان من عجل أنه قيل له كن فكان . وقيل : إن هذه الآية من المقلوب ، أي خلق العجل من الإنسان وقد حكي هذا عن أبي عبيدة والنحاس ، والقول الأوّل أولى { سأريكم آياتي } أي : سأريكم نقماتي منكم بعذاب النار { فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ } أي لا تستعجلوني بالإتيان به ، فإنه نازل بكم لا محالة ، وقيل : المراد بالآيات ما دل على صدق محمد صلى الله عليه وسلم من المعجزات وما جعله الله له من العاقبة المحمودة ، والأوّل أولى .

/خ43