{ لاَّ تُلْهِيهِمْ تجارة وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ الله } هذه الجملة صفة لرجال : أي لا تشغلهم التجارة والبيع عن الذكر ؛ وخصّ التجارة بالذكر لأنها أعظم ما يشتغل به الإنسان عن الذكر . وقال الفراء : التجارة لأهل الجلب ، والبيع ما باعه الرجل على بدنه ، وخصّ قوم التجارة هاهنا بالشراء لذكر البيع بعدها ، وبمثل قول الفراء . قال الواقدي ، فقال : التجار هم الجلاب المسافرون ، والباعة هم المقيمون ، ومعنى { عَن ذِكْرِ الله } هو ما تقدّم في أوله : { وَيُذْكَرَ فِيهَا اسمه } ، وقيل المراد الآذان ، وقيل عن ذكره بأسمائه الحسنى أي : يوحدونه ، ويمجدونه . قيل : المراد عن الصلاة ، ويردّه ذكر الصلاة بعد الذكر هنا . والمراد بإقام الصلاة إقامتها لمواقيتها من غير تأخير ، وحذفت التاء ؛ لأن الإضافة تقوم مقامها في ثلاث كلمات جمعها الشاعر في قوله :
ثلاثة تحذف تاآتها *** مضافة عند جمع النحاة
وهي إذا شئت أبو عذرها *** وليت شعري وإقام الصلاة
وأنشد الفراء في الاستشهاد للحذف المذكور في هذه الآية قول الشاعر :
إن الخليط أجدوا البين وانجردوا . . . وأخلفوك عد الأمر الذي وعدوا
أي عدة الأمر ، وفي هذا البيت دليل على أن الحذف مع الإضافة لا يختص بتلك الثلاثة المواضع . قال الزجاج : وإنما حذفت الهاء لأنه يقال : أقمت الصلاة إقامة ، وكان الأصل إقواماً ، ولكن قلبت الواو ألفاً ، فاجتمعت ألفان فحذفت إحداهما لالتقاء الساكنين ، فبقي أقمت الصلاة إقاماً ، فأدخلت الهاء عوضاً من المحذوف ، وقامت الإضافة هاهنا في التعويض مقام الهاء المحذوفة ، وهذا إجماع من النحويين . انتهى .
وقد احتاج من حمل ذكر الله على الصلاة المفروضة : أن يحمل إقامة الصلاة على تأديتها في أوقاتها فراراً من التكرار ، ولا ملجىء إلى ذلك ، بل يحمل الذكر على معناه الحقيقي كما قدّمنا . والمراد بالزكاة المذكورة هي المفروضة ، وقيل : المراد بالزكاة طاعة الله ، والإخلاص ، إذ ليس لكلّ مؤمن مال .
{ يخافون يَوْماً } أي : يوم القيامة ، وانتصابه على أنه مفعول للفعل لا ظرف له ، ثم وصف هذا اليوم بقوله { تَتَقَلَّبُ فِيهِ القلوب والأبصار } أي تضطرب وتتحوّل ، قيل المراد بتقلب القلوب انتزاعها من أماكنها إلى الحناجر فلا ترجع إلى أماكنها ولا تخرج ، والمراد بتقلب الأبصار هو : أن تصير عمياء بعد أن كانت مبصرة . وقيل : المراد بتقلب القلوب أنها تكون متقلبة بين الطمع في النجاة ، والخوف من الهلاك ، وأما تقلب الأبصار فهو : نظرها من أيّ ناحية يؤخذون ، وإلى أيّ ناحية يصيرون . وقيل : المراد تحوّل قلوبهم وأبصارهم عما كانت عليه من الشك إلى اليقين ، ومثله قوله : { فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ اليوم حَدِيدٌ } [ ق : 22 ] . فما كان يراه في الدنيا غياً يراه في الآخرة رشداً . وقيل : المراد : التقلب على جمر جهنم ، وقيل غير ذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.