فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَٰمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٖ مِّن رَّبِّهِۦۚ فَوَيۡلٞ لِّلۡقَٰسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ أُوْلَـٰٓئِكَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ} (22)

ثم لما ذكر سبحانه أن في ذلك لذكرى لأولي الألباب ، ذكر شرح الصدر للإسلام ، لأن الانتفاع الكامل لا يحصل إلا به ، فقال : { أَفَمَن شَرَحَ الله صَدْرَهُ للإسلام } أي وسعه لقبول الحقّ ، وفتحه للاهتداء إلى سبيل الخير . قال السدّي : وسع صدره للإسلام للفرح به ، والطمأنينة إليه ، والكلام في الهمزة ، والفاء كما تقدم في : { أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ العذاب } [ الزمر : 19 ] ، ومن مبتدأ وخبرها محذوف تقديره كمن قسا قلبه ، وحرج صدره ، ودلّ على هذا الخبر المحذوف قوله : { فَوَيْلٌ للقاسية قُلُوبُهُمْ } والمعنى : أفمن وسع الله صدره للإسلام فقبله ، واهتدى بهديه { فَهُوَ } بسبب ذلك الشرح { على نُورٍ مّن رَّبّهِ } يفيض عليه كمن قسا قلبه لسوء اختياره ، فصار في ظلمات الضلالة ، وبليات الجهالة . قال قتادة : النور كتاب الله به يؤخذ ، وإليه ينتهي . قال الزجاج : تقدير الآية : أفمن شرح الله صدره كمن طبع على قلبه ، فلم يهتد لقسوته { فَوَيْلٌ للقاسية قُلُوبُهُمْ مّن ذِكْرِ الله } قال الفراء والزجاج : أي عن ذكر الله كما تقول : أتخمت عن طعام أكلته ، ومن طعام أكلته ، والمعنى أنه غلظ قلبه ، وجفا عن قبول ذكر الله ، يقال : قسا القلب إذا صلب ، وقلب قاس ، أي صلب لا يرقّ ولا يلين . وقيل : معنى من ذكر الله من أجل ذكره الذي حقه أن تنشرح له الصدور ، وتطمئن به القلوب . والمعنى : أنه إذا ذكر الله اشمأزوا ، والأول أولى ، ويؤيده قراءة من قرأ عن ذكر الله ، والإشارة بقوله : { أولئك } إلى القاسية قلوبهم ، وهو مبتدأ ، وخبره { فِي ضلال مُّبِينٍ } أي ظاهر واضح .

/خ26