قوله : { يَا أَيُّهَا الذين أُوتُوا الكتاب } ذكر سبحانه أوّلاً أنهم أوتوا نصيباً من الكتاب ، وهنا ذكر أنهم أوتوا الكتاب . والمراد : أنهم أوتوا نصيباً منه ؛ لأنهم لم يعملوا بجميع ما فيه ، بل حرّفوا وبدّلوا . وقوله : { مُصَدّقاً } منتصب على الحال . والطمس : استئصال أثر الشيء ، ومنه { فإِذَا النجوم طُمِسَتْ } [ المرسلات : 8 ] يقال : نطمس بكسر الميم وضمها لغتان في المستقبل ، ويقال : طمس الأثر أي : محاه كله ، ومنه { رَبَّنَا اطمس على أموالهم } [ يونس : 88 ] أي : أهلكها ، ويقال : هو مطموس البصر ، ومنه : { وَلَوْ نَشَاء لَطَمَسْنَا على أَعْيُنِهِمْ } [ يس : 66 ] أي : أعميناهم .
واختلف العلماء في المعنى المراد بهذه الآية هل هو حقيقة ؟ فيجعل الوجه كالقفا ، فيذهب بالأنف والفم والحاجب والعين ، أو ذلك عبارة عن الضلالة في قلوبهم ، وسلبهم التوفيق ؟ فذهب إلى الأوّل طائفة ، وذهب إلى الآخر آخرون ، وعلى الأوّل ، فالمراد بقوله : { فَنَرُدَّهَا على أدبارها } نجعلها قفا ، أي : نذهب بآثار الوجه ، وتخطيطه حتى يصير على هيئة القفا ، وقيل : إنه بعد الطمس يردّها إلى موضع القفا ، والقفا إلى مواضعها ، وهذا هو ألصق بالمعنى الذي يفيده قوله : { فَنَرُدَّهَا على أدبارها } فإن قيل : كيف جاز أن يهدّدهم بطمس الوجوه إن لم يؤمنوا ، ولم يفعل ذلك بهم ؟ فقيل : إنه لما آمن هؤلاء ومن اتبعهم رفع الوعيد عن الباقين . وقال المبرد : الوعيد باق منتظر وقال : لا بدّ من طمس في اليهود ، ومسخ قبل يوم القيامة . قوله : { أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أصحاب السبت } الضمير عائد إلى أصحاب الوجوه ، قيل المراد باللعن هنا : المسخ لأجل تشبيهه بلعن أصحاب السبت ، وكان لعن أصحاب السبت مسخهم قردة وخنازير ، وقيل المراد : نفس اللعنة ، وهم ملعونون بكل لسان . والمراد : وقوع أحد الأمرين : إما الطمس ، أو اللعن . وقد وقع اللعن ، ولكنه يقوّي الأوّل تشبيه هذا اللعن بلعن أهل أصحاب السبت . قوله : { وَكَانَ أَمْرُ الله مَفْعُولاً } أي : كائناً موجوداً لا محالة ، أو يراد بالأمر المأمور . والمعنى أنه متى أراده كان ، كقوله : { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [ يس : 82 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.