الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ ءَامِنُواْ بِمَا نَزَّلۡنَا مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبۡلِ أَن نَّطۡمِسَ وُجُوهٗا فَنَرُدَّهَا عَلَىٰٓ أَدۡبَارِهَآ أَوۡ نَلۡعَنَهُمۡ كَمَا لَعَنَّآ أَصۡحَٰبَ ٱلسَّبۡتِۚ وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ مَفۡعُولًا} (47)

قوله تعالى : { مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ } : متعلقٌ بالأمر في قوله : " آمنوا " ، و " نَطْمِس " يكون متعدياً ، ومنه هذه الآية ، ومثلُها : { فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ }

[ المرسلات : 8 ] لبنائِه للمفعولِ من غيرِ حرفِ جرٍّ ، ويكون لازماً يقال : " طمس المطرُ الأعلامَ " و " طَمَست الأعلامُ " ، قال كعب :

من كلِّ نَضَّاخةِ الذِّفْرى إذا عَرِقَتْ *** عُرْضَتُها طامِسُ الأعلامِ مجهولُ

وقرأ الجمهور : " نَطْمِس " بكسر الميم ، وأبو رجاء بضمها ، وهما لغتان في المضارع . وقَدَّر بعضُهم مضافاً أي : عيونَ وجوهٍ ، ويُقَوِّيه أنَّ الطمسَ للأعينِ ، قال تعالى : { لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ } [ يس : 66 ] .

وقوله : { عَلَى أَدْبَارِهَآ } فيه وجهان ، أظهرُهما : أنه متعلق ب " نَرُدَّها " . والثاني : أن يتعلَّق بمحذوف ؛ لأنه حال من المفعول في " نردَّها " قاله أبو البقاء ، وليس بواضح .

قوله : " أو نلعَنهم " عطفٌ على " نَطْمِسَ " ، والضميرُ في " نلعنهم " يعودُ على الوجوه ، " على حَذْفِ مضافٍ إليه " ، أي : وجوه قوم ، أو على أن يُرادَ بهم الوُجَهاءُ والرؤساءُ ، أو يعودُ على الذين أوتوا الكتاب ، ويكون ذلك التفاتاً من خطابٍ إلى غيبة ، وفيه استدعاؤُهم للإِيمان ، حيث لم يواجِهْهم باللعنةِ بعد أَنْ شَرَّفهم بكونهم من أهل الكتاب . وقوله : { وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ } : أمرٌ واحدٌ أُريد به الأمورُ . وقيل : هو مصدرٌ واقعٌ موقعَ المفعول به أي : مأمورُه أي : ما أَوْجَدَه كائنٌ لا محالةَ .