ثم زجرهم عن كفر الجحود والعناد بقوله : { يا أيها الذين أوتوا الكتاب } الآية . والطمس المحو . يقال : طريق طامس ومطموس ، ومفازة طامسة الأعلام ، وطمست الكتاب محوته . وهو في الآية حقيقة أو مجاز قولان .
والمعنى على الأول محو تخطيط صورها وأشكالها من عين وحاجب وأنف وفم . والفاء في { فنردها على أدبارها } إما للتسبيب أي فنجعل الوجوه بسبب هذا الطمس على هيئة أقفائها مطموسة مثلها ، لأن الوجه إنما يتميز عن سائر الأعضاء بما فيه من الحواس والتخاطيط ، فإذا أزيلت ومحيت لم يبق فرق بينها وبين القفا . وإما للتعقيب على أن العقوبة شيئان : إحداهما عقيب الأخرى الطمس ، ثم نكس الوجه إلى خلق والأقفاء إلى قدام . وإنما يكون هذا عقوبة لما فيه من تشويه الخلقة والمثلة والفضيحة كما قال في حق أهل النار
{ وأما من أوتي كتابه وراء ظهره }[ الانشقاق :10 ] على أن وجوههم مردودة إلى أقفائهم فتدرك الكتابة وتقرأ من هناك . وأما المعنى على القول الثاني فعن الحسن : نطمسها عن الهدى ونردها بالخذلان على أدبارها أي على ضلالاتها وشبهاتها . وذلك أن المتوجه إلى عالم الحس معرض عن عالم العقل ، وبقدر الإقبال على ذاك يحصل الإدبار عن هذا . وقال عبد الرحمن بن زيد : نردهم إلى حيث جاؤوا منه وهي أذرعات الشام . يريد إجلاء بني قريظة والنضير . والطمس على هذا إما تقبيح الوجوه وإما إزالة آثارهم عن ديار العرب . وقيل : الطمس القلب والتغيير . والمراد بالوجوه رؤساؤهم ووجهاؤهم أي من قبل أن نغير أحوال وجهائهم فنسلبهم إقبالهم ووجاهتهم ونكسوهم صغارهم وأدبارهم . والضمير في قوله : { أو نلعنهم } إما للوجوه إن أريد بها الوجهاء ، وإما لأصحاب الوجوه لأن المعنى من قبل أن نطمس وجوه قوم ، أو يرجع إلى الذين أوتوا الكتاب على طريقة الالتفات . فإن قيل : فأين وقوع الوعيد ؟ فالجواب أنه مشروط بعدم إيمان جميعهم ولكنه قد آمن ناس من علمائهم كعبد الله بن سلام وأصحابه . حكي أنه لما نزلت هذه الآية أتى عبد الله بن سلام رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يأتي أهله وأسلم وقال : يا رسول الله ، ما كنت أرى أن أصل إليك حتى يتحول وجهي في قفاي . وأيضاً إنه ما جعل الوعيد هو الطمس بعينه بل إياه أو اللعن . فإن كان الطمس تبديل أحوال رؤسائهم أو إجلاءهم إلى الشام فقد كان أحد الأمرين ، وإن كان غيره فقد حصل اللعن فإنهم ملعونون بكل لسان . واللعن الموعود ظاهره اللعن المتعارف لا المسخ . وقيل : هو منتظر ولهذا قيل : { وجوهاً } منكرة دون " وجوهكم " ليشمل وجوهاً غير المخاطبين من أبناء جنسهم ، ولا بد من مسخ وطمس لليهود قبل يوم القيامة . وقيل : إنّ قوله : { آمنوا } تكليف متوجه عليهم في جميع مدة حياتهم فلزم أن يكون قوله : { من قبل أن نطمس وجوهاً } واقعاً في الآخرة . فالتقدير : آمنوا من قبل أن يجيء الوقت الذي نطمس فيه وجوهكم وهو ما بعد الموت { وكان أمر الله مفعولاً } لأنه لا راد لحكمه ولا يتعذر عليه شيء يريد أن يفعله ، وهذا كما يقال في الشيء الذي لا يشك في حصوله هذا الأمر مفعول وإن لم يفعل بعد ، فإذا حكم بإنزال العذاب على قوم فعل ذلك ألبتة .
والمراد بالأمر الشأن والفعل الذي تعلق إرادته به لا الأمر الذي هو أحد أقسام الكلام ، فلا يصح استدلال الجبائي بالآية على أن كلامه تعالى مفعول أي مخلوق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.