وقوله تعالى : { يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم }دلت{[5695]} هذه الآية أن المجوس ليسوا من أهل الكتاب ولا ممن{ أوتوا الكتاب } لأنه قال صلى الله عليه وسلم : { آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم } وليس عند المجوس كتاب حتى يكون المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم { مصدق لما } [ معهم ثم قوله : { مصدقا لما معكم } أي موافقا لما معكم ]{[5696]}وإنما كان موافقا لما معهم بالمعاني المدرجة فيه والأحكام لا بالنظم واللسان ؛ لأنه معلوم أن ما معهم من الكتاب مخالف للقرآن نظما ولسانا ، وكذلك سائر كتب الله تعالى موافقا بعضها بعضا معاني {[5697]}وأحكاما ، وإن كانت مختلفة في النظم واللسان . دل أنها من عند الله تعالى نزلت ، إذ لو كانت من عند غير الله [ كانت ]{[5698]} مختلفة .
ألا ترى أنه قال : { أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا } ؟ ( النساء : 82 ) . . ففيه دليل لقول أبي حنيفة رضي الله عنه حين أجاز الصلاة بالقرآن بالفارسية لأن تغيير النظم والاختلاف باللسان لم يوجب تغيير المعاني واختلاف الأحكام حين أخبر عز وجل أنه موافق لما معهم ، وهو في اللسان والنظم مختلفة ، والمعنى موافق لما معهم ، ثم يحتمل قوله تعالى : { مصدقا لما معكم } بصفته ونعته ونبوته ومبعثه وزمانه فيه لما {[5699]}معكم لا يخالف في شيء من ذلك . ويحتمل أنه هو النبي صلى الله عليه وسلم الذي آمنتم به قبل أن يبعث ، فكيف كفرتم بالله ؟ والله أعلم .
وقوله تعالى : { من قبل أن نطمس وجوها } الآية ؛ قيل : لما نزلت هذه الآية قدم عبد الله بن سلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم ، وقال : يا رسول الله ما كنت أرى أني أصل إليك حتى يتحول وجهي في قفاي . وقيل : طمسها أن تعمى أبصارها وردها على أدبارها . وقيل : طمس الوجود أن تعمى ، وترد عن بصيرتها ؛ وذلك أنهم كانوا مؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم مستيقنين بمحمد صلى الله عليه وسلم أنه نبي الله يجدونه في كتبهم . يقول : حققوا إيمانكم بمحمد صلى الله عليه وسلم وكتابه من قبل أن يضلكم عن هداكم ، فتصيروا ضلالا ، فلا تعلموا ما كنتم تعملون . ويحتمل أن تكون الآية خرجت على الوعيد ، وهي على التمثيل لا على التحقيق كقوله تعالى : { أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت } ويحتمل أن يكون هذا في الآخرة .
وقوله تعالى أيضا {[5700]} : { من قبل أن نطمس وجوها } يحتمل الحقيقة ، فيرجع إلى يوم القيامة ، فيذهب فيه{[5701]} جميع محاسن الوجوه{[5702]} ، أو نطمس وجوه الحق [ عنهم بمعاندتهم ، فيبصروا ]{[5703]}الحق بغير صورته بعد أن كانوا رأوا كل شيء بصورته في كتبهم المنزلة ، والله أعلم ، أو{[5704]}نطمس وجوههم عند اتباعهم الذين لأجلهم غيروا ، وحرفوا ، بما يطلعهم على خيانتهم ، ويظهر لهم تبديلهم ، وقد فعل بحمد الله تعالى . وقد يحتمل الوعيد أن يفعل لهم ، إن لم يؤمنوا حقيقة ، ذلك كفعله بأصحاب السبت تغيير {[5705]}الجوهر . ثم لعل أولئك قد أسلموا ، أو[ نزل بهم العذاب ] {[5706]} ، ولم يذكروا ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { وكان أمر الله مفعولا } أي [ كان بأمر الله عز وجل ] {[5707]}مفعولا كما يقال : الجنة رحمة الله ، والمطر رحمة الله . فعلى ذلك معنى قوله سبحانه وتعالى : { وكان أمر الله مفعولا } . ويحتمل قوله{ وكان أمر الله } أي عذاب الله نازلا بهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.