فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱقۡتَتَلُواْ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبۡغِي حَتَّىٰ تَفِيٓءَ إِلَىٰٓ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ فَإِن فَآءَتۡ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَا بِٱلۡعَدۡلِ وَأَقۡسِطُوٓاْۖ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ} (9)

قوله : { وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا } قرأ الجمهور { اقتتلوا } باعتبار كل فرد من أفراد الطائفتين كقوله : { هذان خَصْمَانِ اختصموا } [ الحج : 19 ] والضمير في قوله : { بَيْنَهُمَا } عائد إلى الطائفتين باعتبار اللفظ . وقرأ ابن أبي عبلة : ( اقتتلتا ) اعتباراً بلفظ طائفتان ، وقرأ زيد بن عليّ ، وعبيد بن عمير : ( اقتتلا ) وتذكير الفعل في هذه القراءة باعتبار الفريقين أو الرهطين . والبغي : التعدّي بغير حق والامتناع من الصلح الموافق للصواب ، والفيء : الرجوع . والمعنى : أنه إذا تقاتل فريقان من المسلمين ، فعلى المسلمين أن يسعوا بالصلح بينهم ، ويدعوهم إلى حكم الله ، فإن حصل بعد ذلك التعدّي من إحدى الطائفتين على الأخرى ولم تقبل الصلح ولا دخلت فيه كان على المسلمين أن يقاتلوا هذه الطائفة الباغية حتى ترجع إلى أمر الله وحكمه ، فإن رجعت تلك الطائفة الباغية عن بغيها وأجابت الدعوة إلى كتاب الله وحكمه ، فعلى المسلمين أن يعدلوا بين الطائفتين في الحكم ، ويتحرّوا الصواب المطابق لحكم الله ، ويأخذوا على يد الطائفة الظالمة حتى تخرج من الظلم ، وتؤدّي ما يجب عليها للأخرى . ثم أمر الله سبحانه المسلمين أن يعدلوا في كل أمورهم بعد أمرهم بهذا العدل الخاص بالطائفتين المقتتلتين فقال : { وَأَقْسِطُواْ إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين } أي واعدلوا إن الله يحب العادلين ، ومحبته لهم تستلزم مجازاتهم بأحسن الجزاء . قال الحسن وقتادة والسديّ : { فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا } بالدعاء إلى حكم كتاب الله ، والرضى بما فيه لهما وعليهما { فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا } وطلبت ما ليس لها ولم ترجع إلى الصلح { فقاتلوا التي تَبْغِي } حتى ترجع إلى طاعة الله والصلح الذي أمر الله به .

/خ12