فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ فِيكُمۡ رَسُولَ ٱللَّهِۚ لَوۡ يُطِيعُكُمۡ فِي كَثِيرٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ لَعَنِتُّمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِي قُلُوبِكُمۡ وَكَرَّهَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡكُفۡرَ وَٱلۡفُسُوقَ وَٱلۡعِصۡيَانَۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلرَّـٰشِدُونَ} (7)

ثم وعظهم الله سبحانه ، فقال : { واعلموا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ الله } فلا تقولوا قولاً باطلاً ولا تتسرّعوا عند وصول الخبر إليكم من غير تبين ، و «أن » وما في حيزها سادة مسدّ مفعولي اعلموا ، وجملة : { لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مّنَ الأمر لَعَنِتُّمْ } في محل نصب على الحال من ضمير فيكم أو مستأنفة ، والمعنى : لو يطيعكم في كثير مما تخبرونه به من الأخبار الباطلة ، وتشيرون به عليه من الآراء التي ليست بصواب لوقعتم في العنت ، وهو التعب والجهد . والإثم والهلاك ، ولكنه لا يطيعكم في غالب ما تريدون قبل وضوح وجهه له ، ولا يسارع إلى العمل بما يبلغه قبل النظر فيه { ولكن الله حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمان } أي جعله أحبّ الأشياء إليكم ، أو محبوباً لديكم ، فلا يقع منكم إلاّ ما يوافقه ، ويقتضيه من الأمور الصالحة ، وترك التسرع في الأخبار وعدم التثبت فيها ، قيل : والمراد بهؤلاء من عدا الأوّلين لبيان براءتهم عن أوصاف الأوّلين ، والظاهر أنه تذكير للكل بما يقتضيه الإيمان ، وتوجبه محبته التي جعلها الله في قلوبهم { وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ } أي حسنه بتوفيقه حتى جروا على ما يقتضيه في الأقوال والأفعال { وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الكفر والفسوق والعصيان } أي جعل كل ما هو من جنس الفسوق ومن جنس العصيان مكروهاً عندكم . وأصل الفسق الخروج عن الطاعة ، والعصيان : جنس ما يعصى الله به ، وقيل : أراد بذلك الكذب خاصة ، والأوّل أولى { أُوْلَئِكَ هُمُ الراشدون } أي الموصوفون بما ذكرهم الراشدون . والرشد : الاستقامة على طريق الحق مع تصلب ، من الرشادة : وهي الصخرة .

/خ8