فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَن يَأۡتُواْ بِٱلشَّهَٰدَةِ عَلَىٰ وَجۡهِهَآ أَوۡ يَخَافُوٓاْ أَن تُرَدَّ أَيۡمَٰنُۢ بَعۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡۗ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱسۡمَعُواْۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (108)

قوله : { ذلك أدنى أَن يَأْتُواْ بالشهادة على وَجْهِهَا } أي ذلك البيان الذي قدمه الله سبحانه ، في هذه القصة وعرفنا كيف يصنع من أراد الوصية في السفر ؟ ولم يكن عنده أحد من أهله ، وعشيرته ، وعنده كفار ، { أدنى } أي أقرب إلى أن يؤدي الشهود المتحملون للشهادة على الوصية بالشهادة على وجهها ، فلا يحرّفوا ولا يبدّلوا ، ولا يخونوا وهذا كلام مبتدأ يتضمن ذكر المنفعة والفائدة ، في هذا الحكم الذي شرعه الله في هذا الموضع من كتابه ؛ فالضمير في { يَأْتُواْ } عائد إلى شهود الوصية من الكفار . وقيل : إنه راجع إلى المسلمين المخاطبين بهذا الحكم . والمراد تحذيرهم من الخيانة ، وأمرهم بأن يشهدوا بالحق .

قوله : { أَوْ يخافوا أَن تُرَدَّ أيمان بَعْدَ أيمانهم } أي تردّ على الورثة فيحلفون على خلاف ما شهد به شهود الوصية فيفتضح حينئذ شهود الوصية ، وهو معطوف على قوله : { أَن يَأْتُواْ } فتكون الفائدة في شرع الله سبحانه لهذا الحكم هي أحد الأمرين : إما احتراز شهود الوصية عن الكذب والخيانة فيأتون بالشهادة على وجهها ، أو يخافوا الافتضاح إذا ردّت الأيمان على قرابة الميت فحلفوا بما يتضمن كذبهم أو خيانتهم فيكون ذلك سبباً لتأدية شهادة شهود الوصية على وجهها من غير كذب ولا خيانة . وقيل : إن { يخافوا } معطوف على مقدّر بعد الجملة الأولى ، والتقدير : ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها ، ويخافوا عذاب الآخرة بسبب الكذب والخيانة ، أو يخافوا الافتضاح بردّ اليمين ، فأيّ الخوفين وقع حصل المقصود { واتقوا الله } في مخالفة أحكامه { والله لاَ يَهْدِي القوم الفاسقين } الخارجين عن طاعته بأيّ ذنب ، ومنه الكذب في اليمين أو الشهادة .

/خ108