فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۖ وَيَوۡمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُۚ قَوۡلُهُ ٱلۡحَقُّۚ وَلَهُ ٱلۡمُلۡكُ يَوۡمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِۚ عَٰلِمُ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡخَبِيرُ} (73)

{ وَهُوَ الذي خَلَقَ السموات والأرض } خلقاً { بالحق } أو حال كون الخلق بالحق فكيف تعبدون الأصنام المخلوقة . قوله : { وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الحق } أي واذكر يوم يقول كن فيكون ، أو واتقوا يوم يقول : كن فيكون . وقيل : هو عطف على الهاء في { واتقوه } . وقيل : إن { يوم } ظرف لمضمون جملة { قَوْلُهُ الحق } والمعنى : وأمره المتعلق بالأشياء الحق ، أي المشهود له بأنه حق . وقيل : { قوله } مبتدأ ، و { الحق } صفة له { ويَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ } خبره مقدّماً عليه ، والمعنى : قوله المتصف بالحق كائن يوم يقول كن فيكون . وقيل : إن قوله مرتفع بيكون ، والحق صفته : أي يوم يقول كن يكون قوله الحق . وقرأ ابن عامر { فَنَكُونَ } بالنون ، وهو إشارة إلى سرعة الحساب . وقرأ الباقون بالياء التحتية وهو الصواب .

قوله : { وَلَهُ الملك يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصور } الظرف منصوب بما قبله ، أي له الملك في هذا اليوم . وقيل : هو بدل من اليوم الأوّل ، والصور : قرن ينفخ فيه النفخة الأولى للفناء ، والثانية للإنشاء ، وكذا قال الجوهري : إن الصور القرن ، قال الراجز :

لقد نطحناهم غداة الجمعين *** نطحاً شديداً لا كنطح الصَّورَيْن

والصور بضم الصاد وبكسرها لغة ، وحكي عن عمرو بن عبيد أنه قرأ { يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصور } بتحريك الواو ، جمع صورة ، والمراد : الخلق . قال أبو عبيدة : وهذا وإن كان محتملاً يردّ بما في الكتاب والسنة . وقال الفراء : كن فيكون ، يقال : إنه للصور خاصة ، أي ويوم يقول للصور كن فيكون . قوله : { عالم الغيب والشهادة } رفع عالم على أنه صفة للذي خلق السموات والأرض ، ويجوز أن يرتفع على إضمار مبتدأ ، أي هو عالم الغيب والشهادة ، وروي عن بعضهم أنه قرأ «ينفخ » بالبناء للفاعل ، فيجوز على هذه القراءة أن يكون الفاعل { عالم الغيب } ويجوز أن يرتفع بفعل مقدّر كما أنشد سيبويه :

ليبك يزيد ضارع لخصومة *** ومختبط مما تطيح الطوائح

أي يبكيه مختبط . وقرأ الحسن والأعمش { عالم } بالخفض على البدل من الهاء في { لَهُ الملك } . { وَهُوَ الحكيم } في جميع ما يصدر عنه { الخبير } بكل شيء .

/خ73