فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{تَبَٰرَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلۡمُلۡكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الملك

وتسمى سورة تبارك ، والواقية والمنجية ، والمانعة ، وهي ثلاثون آية وهي مكية . قال القرطبي : في قول الجميع . وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال : نزلت بمكة سورة تبارك الملك . وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي . والنسائي وابن ماجه وابن الضريس والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن سورة من كتاب الله ما هي إلا ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له { تبارك الذي بيده الملك } » قال الترمذي : هذا حديث حسن . وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه والضياء في المختارة عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «سورة في القرآن خاصمت على صاحبها حتى أدخلته الجنة { تبارك الذي بيده الملك } » . وأخرج الترمذي والحاكم وصححه وابن مردويه وابن نصر والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : «ضرب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خباءه على قبر وهو لا يحسب أنه قبر ، فإذا قبر إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هي المانعة هي المنجية تنجيه من عذاب القبر » . قال الترمذي بعد إخراجه : هذا حديث غريب من هذا الوجه . وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «تبارك هي المانعة من عذاب القبر » وأخرجه أيضاً النسائي وصححه والحاكم . وأخرج ابن مردويه عن رافع بن خديج وأبي هريرة أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «أنزلت علي سورة تبارك ، وهي ثلاثون آية جملة واحدة ، وهي المانعة في القبور » . وأخرج عبد بن حميد في مسنده والطبراني والحاكم وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال لرجل : ألا أتحفك بحديث تفرح به ؟ قال بلى : قال : اقرأ { تبارك الذي بيده الملك } وعلمها أهلك وجيمع ولدك وصبيان بيتك وجيرانك . فإنها المنجية والمجادلة تجادل يوم القيامة عند ربها لقارئها ، وتطلب له أن ينجيه الله من عذاب النار وينجو بها صاحبها من عذاب القبر . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لوددت أنها في قلب كل إنسان من أمتي » .

قوله : { تَبَارَكَ الذي بِيَدِهِ الملك } تبارك تفاعل من البركة ، والبركة النماء والزيادة . وقيل : تعالى وتعاظم عن صفات المخلوقين . وقيل : دام فهو الدائم الذي لا أوّل لوجوده ولا آخر لدوامه . وقال الحسن : تبارك : تقدّس ، وصيغة التفاعل للمبالغة ، واليد مجاز عن القدرة والاستيلاء ، والملك هو ملك السموات والأرض في الدنيا والآخرة ، فهو يعزّ من يشاء ويذل من يشاء ، ويرفع من يشاء ويضع من يشاء ، وقيل : المراد بالملك ملك النبوّة ، والأوّل أولى ، لأن الحمل على العموم أكثر مدحاً وأبلغ ثناء ، ولا وجه للتخصيص { وَهُوَ على كُلّ شَيْء قَدِيرٌ } أي بليغ القدرة لا يعجزه شيء من الأشياء يتصرّف في ملكه كيف يريد من إنعام وانتقام ، ورفع ووضع ، وإعطاء ومنع .