تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَزُخۡرُفٗاۚ وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ وَٱلۡأٓخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلۡمُتَّقِينَ} (35)

26

المفردات :

زخرفا : الزينة المزوقة ، ومنه قيل للذهب زخرف .

لما متاع : إلا متاع ، حكى سيبويه : نشدتك الله لما فعلت كذا ، أي : إلا فعلت كذا .

التفسير :

35- { وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين } .

أي : جعلنا في بيوتهم نقوشا وزينة ، ويطلق الزخرف على الذهب ، وعلى الزينة والنقش المموه بالذهب ، أي : جعلنا لبيوتهم أبوابا وسررا ومصاعد من الفضة والذهب ، أو جعلنا لهم زينة وزخرفا من ستور ونمارق ونقوش .

والخلاصة :

جعلنا بيوت الكفار ودرجها ومصاعدها وسقفها من الفضة والذهب ، وبها كثير من أنواع الزينة ، وكل ذلك النعيم متاع الحياة الدنيا الفانية . أما الآخرة وجنانها ونعيمها ، وأنهارها وحورها وولدانها فهي للمتقين خاصة .

وإذا تساءل إنسان وقال : إذا لم يوسع الله على الكافرين جميعا خوف الفتنة ، فهلا وسّع على المؤمنين جميعا في الدنيا ؟

والجواب : سيدخل الناس في الإيمان رغبة في الدنيا ، وهذا باب واسع للمنافقين ، فكانت الحكمة فيما شرع الله واختار ، حيث جعل في الكفار فقراء وأغنياء ، وجعل في المؤمنين فقراء وأغنياء ؛ لتكتمل حكمة الله في الاختبار والابتلاء ، ويظل للعبد مساحة من الاختيار والرغبة ، وتحديد السلوك والطريق الذي يختاره ، ليكون ذلك أساس الجزاء العادل من الله .

قال تعالى : { إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا * إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا } . ( الإنسان : 2 ، 3 ) .

من تفسير ابن كثير :

{ وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا . . . }

أي : إنما ذلك من الدنيا الفانية ، الزائلة الحقيرة عند الله تعالى ، فهو سبحانه يعجّل لهم حسناتهم التي يعملونها في الدنيا ، مآكل ومشارب ، ليوافوا الآخرة وليس لهم عند الله تبارك وتعالى حسنة يجزيهم بها .

ثم قال سبحانه وتعالى : { والآخرة عند ربك للمتقين } .

أي : هي لهم خاصة لا يشاركهم فيها أحد غيرهم ، ولهذا لما قال عمر بن الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين رآه على رمال حصير قد أثر بجنبه ، فابتدرت عيناه بالبكاء ، وقال : يا رسول الله ، هذا كسرى وقيصر فيما هم فيه ، وأنت صفوة الله من خلقه ؟ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا فجلس ، وقال : ( أفي شك أنت يا ابن الخطاب ) ؟ ثم قال صلى الله عليه وسلم : ( أولئك قوم عجِّلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا ) وفي رواية : ( أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة ) ؟ 5 .

وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ، ولا تأكلوا في صحافها ، فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة )6 . وإنما خولهم الله تعالى في الدنيا لحقارتها .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَزُخۡرُفٗاۚ وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ وَٱلۡأٓخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلۡمُتَّقِينَ} (35)

{ وَزُخْرُفاً } قال الحسن : أي نقوشاً وتزاويق ، وقال ابن زيد : الزخرف أثاث البيت وتجملاته وهو عليهما عطف على { سَقْفاً } [ الزخرف : 33 ] ، وقال ابن عباس . وقتادة . والشعبي . والسدي . والحسن أيضاً في رواية الزخرف الذهب ، وأكثر اللغويين ذكروا له معنيين هذا والزينة فقيل الظاهر أنه حقيقة فيهما ، وقيل : إنه حقيقة في الزينة ولكون كمالها بالذهب استعمل فيه أيضاً ، ويشير إليه كلام الراغب قال : الزخرف الزينة المزوقة ومه قيل للذهب زخرف ، وفي «البحر » جاء في الحديث " إياكم والحمرة فإنها من أحب الزينة إلى الشيطان " ، وقال ابن عطية : الحسن أحمر والشهوات تتبعه ؛ ولبعض شعراء المغرب :

وصبغت درعك من دماء كماتم *** لما رأيت الحسن يلبس أحمرا

وهو على هذا عطف على محل { مِن فِضَّةٍ } [ الزخرف : 33 ] كأن الأصل سقفاً من فضة وزخرف يعني بعضها من فضة وبعضها من ذهب فنصب عطفاً على المحل ، وجوز عطفه على { سَقْفاً } [ الزخرف : 33 ] أيضاً .

{ وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا متاع الحياة } أي وما كل ما ذكر من البيوت الموصوفة بالصفات المفصلة إلا شيء يتمتع به في الحياة الدنيا وفي معناه ما قرىء { وَمَا كُلُّ ذلك الحياة الدنيا } وقرأ الجمهور { لَّمّاً } بفتح اللام والتخفيف على أن { إن } هي المخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة بين المخففة وغيرها وما زائدة أو موصولة بتقدير لما هو متاع كما في قوله تعالى : { تَمَامًا عَلَى الذى أَحْسَنَ } [ الأنعام : 154 ] في قراءة من رفع النون ، وقرأ رجاء وفي التحرير أبو حيوة { لَّمّاً } بكسر اللام والتخفيف على أن { ءانٍ } هي المخففة واللام حرف جر وما موصولة في محل جر بها والجار والمجرور في موضع الخبر لكل وصدر الصلة محذوف كما سمعت آنفاً . وحق التركيب في مثله الاتيان باللام الفارقة فيقال : للمامتاع لكنها حذفت لظهور إرادة الاثبات كما في قوله :

أنا ابن أباة الضيم من آل مالك *** وإن مالك كانت كرام المعادن

بل لا يجوز في البيت إدخال اللام كما لا يخفى على النحوي { والاخرة } أي بما فيها من فنون النعيم التي لا يحيط بها نطاق البيان { عِندَ رَبّكَ لِلْمُتَّقِينَ } خاصة لهم ، والمراد بهم من اتقى الشرك ، وقال غير واحد : من اتقى ذلك والمعاصي ، وفي الآية من الدلالة على التزهيد في الدنيا وزينتها والتحريض على التقوى ما فهيا ، وقد أخرج الترمذي وصححه . وابن ماجه عن سهل بن سعد قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كانت الدنيا تعدل عند الله تعالى جناح بعوضة ما سقى منها كافراً شربة ماء " وعن علي كرم الله تعالى وجهه الدنيا أحقر من ذراع خنزير ميت بال عليه كلب في يد مجذوم ، هذا واستدل بعضهم بقوله تعالى : { لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً } [ الزخرف : 33 ] على أن السقف لرب البيت الأسفل لا لصاحب العلو لأنه منسوب إلى البيت .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَزُخۡرُفٗاۚ وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ وَٱلۡأٓخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلۡمُتَّقِينَ} (35)

قوله : { وزخرفا } منصوب بفعل مقدر ، وتقديره : وجعلنا لهم زخرفا{[4136]} والزخرف الذهب . ثم يشبّه به كل مموه مزور . والمزخرف معناه المزين {[4137]} وقال ابن العربي " معنى الآية : أن الدنيا عند الله تعالى من الهوان بحيث كان يجعل بيوت الكفار ودرجها وأبوابها ذهبا وفضة لولا غلبة حب الدنيا على القلوب فيحمل ذلك على الكفر . قوله : { وإن كل ذلك لماّ متاع الحياة الدنيا } { إن } ، المخففة بمعنى ما . و { لماّ } المشددة بمعنى إلا . يعني : وما كل ذلك إلا متاع الحياة الدنيا{[4138]} .

قوله : { والآخرة عند ربّك للمتّقين } جعل الله الجزاء العظيم في الآخرة للمؤمنين المتقين الذين اجتنبوا الشرك والمعاصي وأخلصوا دينهم لله ، فأطاعوه وأنابوا إليه خاشعين مذعنين والتزموا شرعه ومنهاجه . لا جرم أن الدار الآخرة لهي دار البقاء والقرار . الدار التي لا يفنى نعيمها ولا يزول{[4139]} .


[4136]:البيان لابن الأنباري جـ2ص 353.
[4137]:مختار الصحاح ص 270.
[4138]:البيان لابن الأنباري جـ 2 ص 354.
[4139]:تفسير الرزاي جـ 27 ص 212 والكشاف جـ 3 ص 487 وفتح القدير جـ 4 ص 555.