تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيَوۡمَ يَقُومُ ٱلۡأَشۡهَٰدُ} (51)

47

المفردات :

الأشهاد : جمع شاهد ، كصاحب وأصحاب ، والمراد : الأنبياء والحفظة ، ويوم يقوم الأشهاد : هو يوم القيامة .

التفسير :

51- { إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد } .

هذه الآية تقرير لحقيقة عظمى ، أي : ومن سنتنا أن ننصر رسلنا والذين آمنوا بهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة .

أما نصر الرسل في الدنيا فيكون بتوفيقهم في تبليغ الرسالة ، وإقامة الحجة ، واستمالة الأتباع ، ورعاية المؤمنين ، وذلك بشرح الرسالة ، وتعميق ألوان الهداية .

ونصر الرسل قد يكون حسيّا ، كما نجده في غرق فرعون ونجاة موسى ، وكما في نجاة نوح ومن جاء بعده من المرسلين ، كما في انتصار محمد صلى الله عليه وسلم في غزوات بدر وأحد والخندق والحديبية وفي فتح مكة وفي حنين ، بعد أن خرج في الهجرة ثاني اثنين إذ هما في الغار ، فالنصر قد يكون قريبا ، وقد يتأخر النصر لحكمة .

وقد يكون النصر معنويا ، وذلك باقتناع المؤمنين بالدعوة ، وتحملهم الموت في سبيل الحق ، فَوضْع إبراهيم في النار انتصار له ، ونجاته من النار انتصار آخر ، وامتثال إبراهيم لذبح إسماعيل انتصار ، ونجاة إسماعيل وذبح الفداء انتصار آخر ، وقصة أصحاب الأخدود تحكي استبسالهم وانتصارهم بعقيدتهم ، وموت يحيى بن زكريا ثم الانتقام من قاتليه انتصار . واستشهاد الحسين ، ثمّ توجّع الناس لهذه الشهادة انتصار ، حتى قال بعض المؤرخين : نصر الحسين ميتا أكثر منه حيّا ، فالنصر في الدنيا قد يكون حسيا ، وقد يكون معنويا .

لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم والإسلام لا يزال في بلاد العرب ، ولم تمض عشر سنوات على وفاته حتى فتح المسلمون بلا د الفرس وبلاد الروم مصر وغيرها .

أما النصر في الآخرة فهو النصر الحقيقي ، بدخول المؤمنين الجنة ، ودخول الكافرين النار ، بعد أن يقوم الرسل بالشهادة على أممهم ، بأنهم بلغوهم الرسالة ، وتشهد أيضّا الملائكة للرسل بتبليغ الرسالة ، وللمؤمنين بأداء الأمانة ، كما تشهد على الكفرة بالتكذيب والجحود .

قال تعالى : { ويوم يقوم الأشهاد } .

وهم الرسل والملائكة ، عند جمع الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيَوۡمَ يَقُومُ ٱلۡأَشۡهَٰدُ} (51)

وقوله تعالى : { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا والذين ءامَنُواْ } الخ كلام مستأنف مسوق من جهته تعالى لبيان أن ما أصاب الكفرة من العذاب المحكى من فروع حكم كلي تقتضيه الحكمة هو أن شأننا المستمر أننا ننصر رسلنا وأتباعهم { وَقَالَ إِنَّمَا اتخذتم } بالحجة والظفر والانتقام لهم من الكفرة بالاستئصال والقتل والسبي وغير ذلك من العقوبات ، ولا يقدح في ذلك ما قد يتفق للكفرة من صورة الغلبة امتحاناً إذ العبرة إنما هي بالعواقب وغالب الأمر ، وقد تقدم تمام الكلام في ذلك فتذكر { وَيَوْمَ يَقُومُ الاشهاد } أي ويوم القيامة عبر عنه بذلك للأشعار بكيفية النصرة وأنها تكون عند جمع الأولين والآخرين وشهادة الأشهاد للرسل بالتبليغ وعلى الكفرة بالتكذيب ، فالاشهاد جمع شهيد بمعنى شاهد كإشراف جميع شريف ، وقيل : جمع شاهد بناء على أن فاعلاً قد يجمع على أفعال ، وبعض من لم يجوز يقول : هو جمع شهد بالسكون اسم جمع لشاهد كما قالوا في صحب بالسكون اسم جمع لصاحب ، وفسر بعضهم { الاشهاد } بالجوارح وليس بذاك ، وهو عليهما من الشهادة ، وقيل : هو من المشاهدة بمعنى الحضور .

وفي «الحواشي الخفاجية » أن النصرة في الآخرة لا تتخلف أصلاً بخلافها في الدنيا فإن الحرب فيها سجال وإن كانت العاقبة للمتقين ولذا دخلت { فِى } على { الحياة } دون قرينه لأن الظرف المجرور بفي لا يستوعب كالمنصوب على الظرفية كما ذكره الأصوليون انتهى ، وفيه بحث .

وقرأ ابن هرمز . وإسماعيل وهي رواية عن أبي عمرو { تَقُومُ } بتاء التأنيث على معنى جماعة الأشهاد .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيَوۡمَ يَقُومُ ٱلۡأَشۡهَٰدُ} (51)

{ 51 - 52 } { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ }

لما ذكر عقوبة آل فرعون في الدنيا ، والبرزخ ، ويوم القيامة ، وذكر حالة أهل النار الفظيعة ، الذين نابذوا رسله وحاربوهم ، قال : { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } أي : بالحجة والبرهان والنصر ، في الآخرة بالحكم لهم ولأتباعهم بالثواب ، ولمن حاربهم بشدة العقاب .