تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلۡحُجُرَٰتِ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ} (4)

1

المفردات :

من وراء الحجرات : من خارجها ، سواء كان من خلفها ، أو من قدامها ، ويرى بعض أهل اللغة أن كلمة : وراء من الأضداد ، فتطلق تارة على ما أمامك ، وأخرى على ما خلفك ، والحجرات ( بضم الجيم وفتحها وتسكينها ) واحدها حُجْرة ، وهي القطعة من الأرض المحجورة ، أي الممنوعة من الدخول فيها بحائط ونحوه ، والمراد بها : حجرات نسائه صلى الله عليه وسلم ، وكانت تسعا ، لكل منهن حجرة من جريد النخل على أبوابها المسوح من شعر أسود ، وكانت غير مرتفعة يتناول سقفها باليد ، وقد أدخلت في عهد الوليد بن عبد الملك بأمره في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبكى الناس لذلك ، وكانت الحجرات في غاية البساطة .

التفسير :

4- { إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ } .

كان من عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينام القائلة -منتصف النهار- فجاء وفد من أعراب بني تميم فنزلوا في المسجد ، وأخذوا ينادونه من خلف حجرات نسائه ، ويقولون : اخرج إلينا يا محمد ، فإن مدحنا زين ، وذمنا شين .

والحجرات جمع حجرة ، وهي الرقعة من الأرض المحجورة بحائط يحيط بها .

وفي رواية عن زيد بن أرقم قال : أتى أناس النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال بعضهم لبعض : انطلقوا بنا إلى هذا الرجل ، فإن يك نبيا فنحن أسعد الناس بإتباعه ، وإن يك ملكا نعش في جنابه ، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فجعلوا ينادونه : يا محمد ، يا محمد .

وهناك روايات أخرى في سبب النزول ، وتلتقي الروايات على أن جماعة من جفاة الأعراب ، نادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت راحته في حجرته ، ولم يصبروا إلى وقت خروجه للصلاة ، حتى يوفروا له الراحة .

وقد وصفهم القرآن بهذه الآية ومعناها : إن الذين نادوا عليك من وراء حجرات نسائك بأسلوب فيه جلافة الأعراب ، { أكثرهم لا يعقلون } ، أي : لا يفهمون أصول الأدب واللياقة .

ولعل طائفة منهم لم ترض عن هذا الفعل ، فاستثناها القرآن ، لبيان أن أقلهم أصحاب عقل وحكمة ، وأحيانا يعبر بالأكثر عن الكل .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلۡحُجُرَٰتِ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ} (4)

قوله تعالى : { إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون 4 ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم } .

ذلك تنديد من الله بأولئك الأجلاف الذين ينادون النبي صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات وهي بيوت نسائه ، وذلك في غلظة مستهجنة ما ينبغي أن تصدر عن مؤمنين كرام ولا يليق أن ينادي بها سيد الثقلين والأنام صلى الله عليه وسلم . وقد روى في سبب نزول الآية عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال : أتى ناس النبي صلى الله عليه وسلم فجعلوا ينادونه وهو في الحجرة : يامحمد يا محمد . فأنزل الله الآية .

وذكر أنها نزلت في جفاة بني تميم ، إذ قدم وفد منهم على النبي صلى الله عليه وسلم فدخلوا المسجد فنادوا النبي صلى الله عليه وسلم من وراء حجرته أن اخرج إلينا يا محمد فإن مدحنا زين وإن ذمنا شين . فآذى ذلك من صياحهم النبي صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم ، فقالوا : جئناك يا محمد نفاخرك ، ونزل فيهم قوله : { إن الذين ينادونك من وراء الحجرات } وكان فيهم الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن والزبرقان بن بدر وقيس بن عاصم{[4283]} .

و { الحجرات } جمع حجرة وهي البيت أو الغرفة{[4284]} وفي هذه الآية يخاطب الله نبيه صلى الله عليه وسلم مبينا له أن هؤلاء الغلاظ الأجلاف الذين ينادونك من وراء البيوت من غير أدب ولا توقير ولا تواضع { أكثرهم لا يعقلون } يعني أكثرهم جاهلون بدين الله لغلبة السفاهة والجفاء على عقولهم وقلوبهم .


[4283]:أسباب النزول للنيسابوري ص 259.
[4284]:المصباح المنير جـ 1 ص 132.