الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلۡحُجُرَٰتِ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ} (4)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون} آية نزلت في تسعة رهط ثمانية منهم من بني تميم، ورجل من قيس، فمنهم الأقرع بن حابس المجاشعي، وقيس بن عاصم المنقري، والزبرقان بن بدر الهذلي، وخالد بن مالك، وسويد بن هشام النهشليين، والقعقاع بن معبد، وعطاء بن حابس، ووكيع بن وكيع من بني دارم، وعيينة بن حصن الفزاري، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أصاب طائفة من ذراري بني العنبر، فقدموا المدينة في الظهيرة لفداء ذراريهم، فتذكروا ما كان من أمرهم فبكت الذراري إليهم، فنهضوا إلى المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم في منزله فاستعجلوا الباب لما أبطأ عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فنادى أكثرهم من وراء الحجرات: يا محمد، مرتين ألا تخرج إلينا فقد جئنا في الفداء. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ويلك ما لك حداك المنادي"، فقال: أما والله إن حمدي لك زين، وإن ذمي لك شين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ويلكم ذلكم الله"، فلم يصبروا حتى يخرج إليهم صلى الله عليه وسلم. فذلك قوله: {ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم}...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إن الذين ينادونك يا محمد من وراء حجراتكِ، والحجرات: جمع حجرة...

وقوله:"أكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُون "يقول: أكثرهم جهال بدين الله، واللازم لهم من حقك وتعظيمك. وذُكر أن هذه الآية والتي بعدها نزلت في قوم من الأعراب جاؤوا ينادون رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء حجراته: يا محمد اخرج إلينا...

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ} وجهان:

أحدهما: لا يعلمون، فعبر عن العلم بالعقل لأنه من نتائجه...

الثاني: لا يعقلون أفعال العقلاء لتهورهم وقلة أناتهم، وهو محتمل...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

والمراد: حجرات نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت لكل واحد منهنّ حجرة. ومناداتهم من ورائها يحتمل أنهم قد تفرّقوا على الحجرات متطلبين له، فناداه بعض من وراء هذه، وبعض من وراء تلك، وأنهم قد أتوها حجرة حجرة فنادوه من ورائها، وأنهم نادوه من وراء الحجرة التي كان فيها، ولكنها جمعت إجلالاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولمكان حرمته. والفعل وإن كان مسنداً إلى جميعهم فإنه يجوز أن يتولاه بعضهم، وكان الباقون راضين، فكأنهم تولوه جميعاً،...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{أكثرهم لا يعقلون} فيه بيان المعايب بقدر ما في سوء أدبهم من القبائح، وذلك لأن الكلام من خواص الإنسان، وهو أعلى مرتبة من غيره، وليس لمن دونه كلام، لكن النداء في المعنى كالتنبيه، وقد يحصل بصوت، يضرب شيء على شيء وفي الحيوانات العجم ما يظهر لكل أحد كالنداء، فإن الشاة تصيح وتطلب ولدها وكذلك غيرها من الحيوانات، والسخلة كذلك فكأن النداء حصل في المعنى لغير الآدمي، فقال الله تعالى في حقهم {أكثرهم لا يعقلون} يعني النداء الصادر منهم لما لم يكن مقرونا بحسن الأدب كانوا فيه خارجين عن درجة من يعقل وكان نداؤهم كصياح صدر من بعض الحيوان.

وقوله تعالى: {أكثرهم} فيه وجهان؛

(أحدهما) أن العرب تذكر الأكثر وتريد الكل، وإنما تأتي بالأكثر احترازا عن الكذب واحتياطا في الكلام، لأن الكذب مما يحبط به عمل الإنسان في بعض الأشياء فيقول الأكثر وفي اعتقاده الكل، ثم إن الله تعالى مع إحاطة علمه بالأمور أتى بما يناسب كلامهم، وفيه إشارة إلى لطيفة وهي أن الله تعالى يقول: أنا مع إحاطة علمي بكل شيء جريت على عادتكم استحسانا لتلك العادة وهي الاحتراز عن الكذب فلا تتركوها، واجعلوا اختياري ذلك في كلامي دليلا قاطعا على رضائي بذلك.

(وثانيهما) أن يكون المراد أنهم في أكثر أحوالهم لا يعقلون...

وفيه وجه ثالث وهو أن يقال لعل منهم من رجع عن تلك الأهواء، ومنهم من استمر على تلك العادة الرديئة فقال أكثرهم إخراجا لمن ندم منهم عنهم...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{إن الذين ينادونك} أي يجددون نداءك من غير توبة والحال أن نداءهم إياك كائن {من وراء} إثبات هذا الجار يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان داخلها، ولو سقط لم يفد ذلك...

{الحجرات} ولم يضفها إليه إجلالاً له، وليشمل كونه في غيرها أيضاً، والمعنى: مبتدئين النداء من جهة تكون الحجرات فيها بينك وبينهم فتكون موازية لك منهم ولهم منك...

{أكثرهم} أي المنادي والراضي- دون الساكت- لعذر {لا يعلقون} لأنهم لم يصبروا، بل فعلوا معه صلى الله عليه وسلم كما يفعل بعضهم مع من يماثله، والعقل يمنع من مثل ذلك لمن اتصف بالرئاسة فكيف إذا كانت رئاسة النبوة والرسالة عن الملك الجبار الواحد القهار.

تفسير القرآن الكريم لابن عثيمين 1421 هـ :

{أكثرهم لا يعقلون} يعني ليس عندهم عقل، والمراد بالعقل هنا عقل الرشد؛ لأن العقل عقلان: عقل رشد، وعقل تكليف، فأما عقل الرشد فضده السفه، وأما عقل التكليف فضده الجنون، فمثلاً: إذا قلنا: يشترط لصحة الوضوء أن يكون المتوضىء عاقلاً مميزاً، فالمراد بالعقل هنا عقل التكليف، وإذا قلنا: يشترط للتصرف في المال أن يكون المتصرف عاقلاً، أي عقل رشد، يحسن التصرف، فالمراد بقوله هنا: {أكثرهم لا يعقلون} أي عقل رشد؛ لأنهم لو كانوا لا يعقلون عقل تكليف لم يكن عليهم لوم ولا ذم، لأن المجنون فاقد العقل لا يلحقه لوم ولا ذم، وهذا واضح، وقوله: {أكثرهم لا يعقلون} يفهم منه أن بعضهم يعقل وأنه لم يحصل منه رفع صوت، بل هو متأدب مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{إَنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُراتِ} التي يشتمل عليها بيتك، عندما تكون في حالة استرخاء تستسلم إليه طلباً لبعض الراحة الجسدية، واستعداداً لمرحلة جديدةٍ من العمل، فيرفعون أصواتهم ليقتحموا عليك لحظات نومك وراحتك دون اعتبارٍ لمقامك وحالتك، {أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ} لأن العقل يدفع صاحبه إلى احترام أوضاع الناس الخاصة ومشاعرهم الذاتية، وإلى عدم الإساءة إليهم في ذلك كله، الأمر الذي يجعل من لا يراعون ذلك في سلوكهم العملي ممن لا يعقلون...