{ إن الذين ينادونك من وراء الحجرات } هم جفاة بني تميم ، كما سيأتي بيانه ، ووراء الحجرات خارجها وخلفها ، أو قدامها ، والحجرات جمع حجرة كالغرفات جمع غرفة ، والظلمات جمع ظلمة ، وقيل جمع حجر والحجر جمع حجرة فهو جمع الجمع ، والحجرة الرقعة من الأرض المحجورة بحائط يحوط عليها ، وهي فعلة بمعنى مفعولة ، قرأ الجمهور الحجرات بضم الجيم ، وقرئ بفتحها تخفيفا وقرئ بإسكانها ، وهي لغات ومناداتهم من وراء الحجرات إما بأنهم أتوها حجرة حجرة فنادوه من ورائها ، أو بأنهم تفرقوا على الحجرات متطلبين له ، فنادى كل واحد على حجرة و ( من ) في ( من وراء ) لابتداء الغاية ، ولا وجه للمنع من جعلها لهذا المعنى .
{ أكثرهم لا يعقلون } لغلبة الجهل عليهم ، وكثرة الجفاء في طباعهم ، والمراد بالأكثر الكل ، لأن العرب قد تفعل هكذا .
عن الأقرع بن حابس أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " يا محمد أخرج إلينا فلم يجبه فقال : يا محمد إن حمدي زين ، وإن ذمي شين ، فقال : ذلك الله ، ، فأنزل الله { إن الذين } الخ " {[1520]} أخرجه أحمد وابن جرير والبغوي والطبراني وابن مردويه ، قال السيوطي بسند صحيح ، قال ابن منيع : لا أعلم روى الأقرع مسندا غير هذا .
وعن البراء بن عازب في الآية ، قال : جاء رجل فقال يا محمد إن حمدي زين وإن ذمي شين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ذاك الله أخرجه الترمذي وحسنه .
وعن زيد بن أرقم قال : " اجتمع ناس من العرب فقالوا : انطلقوا إلى هذا الرجل ، فإن يك نبيا فنحن أسعد الناس به ، وإن يك ملكا نعش بجناحه ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما قالوا فجاؤوا إلى حجرته فجعلوا ينادونه : يا محمد فأنزل الله هذه الآية فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بإدني وجعل يقول لقد صدق الله قولك يا زيد " أخرجه ابن راهويه ؛ ومسدد وأبو يعلى والطبراني وابن مردويه قال السيوطي :بإسناد حسن ، وفي الباب أحاديث .
قال النسفي : وورود الآية على النمط الذي وردت عليه فيه ما لا يخفى من إجلال محل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، منها التسجيل على الصائحين به السفه والجهل ومنها إيقاع لفظ الحجرات كناية عن موضع خلوته ، ومقيله مع بعض نسائه ومنها التعريف باللام دون الإضافة .
ولو تأمل متأمل من أول هذه السورة إلى آخر هذه الآية لوجدها كذلك ، فتأمل كيف ابتدأ بإيجاب أن تكون الأمور التي تنتمي إلى الله ورسوله متقدمة على الأمور كلها من غير تقييد ، ثم أردف ذلك النهي عما هو من جنس التقديم من رفع الصوت والجهر . كأن الأول بساط للثاني ، ثم أثنى على الغاضين أصواتهم ليدل على عظم موقعه عند الله ، ثم عقبه بما هو أطم ، وهجنته أتم ، من الصياح برسول الله صلى الله عليه وسلم في حال خلوته من وراء الجدر كما يصاح بأهون الناس قدرا لينبه على فظاعة ما جسروا عليه لأن من رفع الله_ قدره عن أن يجهر له بالقول كان صنيع هؤلاء من المنكر الذي بلغ من التفاحش مبلغا انتهى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.