بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلۡحُجُرَٰتِ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ} (4)

وقوله عز وجل : { إَنَّ الذين يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الحجرات } فالحجرات جمع الحجرة . يقال : حجرة وحجرات ، مثل ظلمة وظلمات . وقرئ في الشاذ : الحجَرات بنصب الجيم . وقرأه العامة بالضم . ومعناهما : واحد . نزلت الآية في شأن نفر من بني تميم ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أسامة بن زيد ، فانتهى إلى قبيلة ، وكانت تسمى بني العنبر ، فأغار عليهم ، وسبى زراريهم ، فجاء جماعة منهم ليشتروا أسراهم ، أو يفدوهم ، فنادوه وكان وقت الظهيرة ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في الحجرة . فنادوه من وراء الحجرة ، وكان لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم حجرات . فلما خرج النبي كلموه في أمر الزراري ، فقال لواحد منهم : " احكم " . فقال : حكمت أن تخلي نصف الأسارى ، وتبيع النصف منا . ففعل النبي صلى الله عليه وسلم . فنزلت الآية { إَنَّ الذين يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الحجرات } { أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حتى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } لأنهم لو لم ينادوه ، لكان يعتقهم كلهم . وروى معمر عن قتادة أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فناداه من وراء الحجرات ، فقال : يا محمد إِنَّ مَدْحِي زَيْن ، وإِن شَتْمِي شَيْن . فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال : «وَيْلَكَ ذَلَّكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ » . فَنَزل { إَنَّ الذين يُنَادُونَكَ } الآية .

ثم قال عز وجل : { والله غَفُورٌ } لمن تاب { رَّحِيمٌ } بهم بعد التوبة .