اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلۡحُجُرَٰتِ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ} (4)

قوله ( تعالى ){[51983]} : { إَنَّ الذين يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الحجرات } هذا بيان لحال من كان في ( مقابلة{[51984]} من تقدم ، فإن الأول غَضَّ صوته ، والآخر رفعه ، وفيه إشارة إلى ترك الأدب من وجوه : )

أحدها : النداء ، فإن نداء الرجل الكبير قبيح بل الأدب الحضور بين يديه وعرض الحاجة إليهِ .

الثاني : النداء من وراء الحجرات ، فإن من ينادي غيره ولا حائل بينهما لا يكلفه المَشْيَ والمجيء بل يجيئه من مكانه وكلمه ومن ينادي غيره مع الحائل يريد منه حضوره .

الثالث : قوله «الحجرات » يدل على كون{[51985]} النبي صلى الله عليه وسلم في خَلْوَتِهِ التي لا يمكن{[51986]} إتيان المحتاج إليه في حاجته ( في ){[51987]} ذلك الوقت بل الأحسن التأخير وإن كان في وَرْطَةِ الحاجة{[51988]} .

قوله : «مِنْ وَرَاء » «مِنْ » لابتداء الغاية . وفي كلام الزمخشري ما يمنع أن «مِنْ »{[51989]} يكون لابتداء الغاية وانتهائها قال : لأن الشيء الواحد لا يكون مبدأ للفعل ومنتهًى له .

وهذا الذي أثبته بعض الناس وزعم أنها تدل على ابتداء الفعل وانتهائه في جهة واحدة نحو : أَخْذْتُ الدِّرْهَمَ مِنَ الكِيسِ{[51990]} .

والعامة على الحُجُرَات بضمتين وأبو جعفر وشَيْبَةُ بفَتْحها{[51991]} . وابن أبي عبلَة بإسكانها{[51992]} . وهي ثلاث لغات وتقدم تحقيقها في البقرة في قوله : «في ظُلُمَاتٍ »{[51993]} .

والحُجْرَةُ فُعْلَةٌ بمعنى مفعولة كغُرْفَة بمعنى مَغْروفَة . قال البغوي : الحُجُرَاتُ جمع الحُجْرَةِ فهي جَمْعُ الجَمْعِ{[51994]} .

فصل

ذكروا في سبب النزول وجوهاً :

الأول : قال ابن عباس : بعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سريّةً إلى بني العَنْبر ، وأمر عليهم عُيَيْنَة بن حِصْنٍ الفَزَاريّ ، فلما علما هربوا وتركوا عيالهم ، فَسَبَاهُمْ عيينة ، وقدم ( بهم{[51995]} ) على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء بعد ذلك رجالهم يفدونَ الذَّرَارِي فقدموا وقت الظهيرة ووافقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً في أهله فلما رأتهم الذَّرَارِي أجْهَشُوا إلى آبائهم يبكون وكانت لكل امرأة من نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم حُجْرةٌ فعجلوا أن يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلوا ينادون : يا محمد اخْرُجُ إلينا حتى أيقظُوه من نومه فخرج إليهم ، فقالوا يا محمد : فادنا عيالنا ، فنزل جبريل ( عليه الصلاة والسلام{[51996]} ) فقال : إن الله يأمرك أن تجعل بينك وبينهم رجلاً فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم «أتَرْضُون أن يكون بيني وبينكم سبرة بن عمرو وهو على دينكم ؟ » فقالوا : نعم ؛ قال سبرة : أنا لا أحكم وعمي شاهد وهو الأعور بن بشامة ؛ فرضوا به فقال الأعور : أرى ( أن{[51997]} ) تفادي نصفهم وأعتق{[51998]} نصفهم . فأنزل الله : { إَنَّ الذين يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ الحجرات أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } وصفهم بالجهل وقلة العقل .

/خ5


[51983]:زيادة من أ الأصل.
[51984]:ما بين القوسين كله سقط من ب.
[51985]:كذا في النسختين وفي الرازي المصدر السابق: قول وليس كون.
[51986]:في ب والرازي: التي لا يحسن.
[51987]:زيادة للسياق.
[51988]:قاله الرازي الإمام في تفسيره 28/116.
[51989]:في ب أن يكون من، بتقديم وتأخير والمعنى واحد.
[51990]:بالمعنى من الكشاف 3/558.
[51991]:أي الجيم. وانظر الإتحاف 397 وتقريب النشر 175 وهي عشرية.
[51992]:شاذة ذكرها صاحب البحر 8/108.
[51993]:من الآية 17 منها: {وتركهم في ظلمات لا يبصرون} فالفتح والاتباع بالضم أو الكسر لغة عامة العرب أما الإسكان فلغة تميم والضم لا يجيء مع اللام اليائية كدمية وكلية لثقل الضم قبل الياء فنقول دميات ودميات بفتح وإسكان فقط، انظر التبيان "يتصرف" للشيخ كحيل 134.
[51994]:الواقع أن كلاما محذوفا هنا من كلام البغوي فكلامه: "جمع الحجر"، والحجر جمع الحجرة فهي جمع الجمع. انظر تفسيره 6/220.
[51995]:سقط من ب.
[51996]:زيادة من أ.
[51997]:للسياق.
[51998]:في ب وتعتق وهو الأقرب.