الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلۡحُجُرَٰتِ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ} (4)

{ إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ الْحُجُرَاتِ } يعني أعراب تميم ، حيث نادوا : يا محمّد اخرج علينا ، فإنّ مدحنا زين وذمّنا شين ، قاله قتادة . قال ابن عبّاس : " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى حي من بني العنبر وأمّر عليهم عُيينة بن حصين الفزاري ، فلمّا علموا أنّه توجّه نحوهم ، هربوا ، وتركوا عيالهم ، فسباهم عُيينة ، وقدم بهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء بعد ذلك رجالهم يفدون الذراري ، فقدموا وقت الظهيرة ، وواقفوا رسول الله في أهله قائلاً ، فلمّا رأتهم الذراري جهشوا إلى آبائهم يبكون ، وكان لكلّ امرأة من نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ، وحجرة ، فعجلوا أن يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعلوا ينادون : يا محمّد اخرج إلينا حتّى أيقظوه من نومه ، فخرج إليهم ، فقالوا : يا محمّد فادنا عيالنا .

فنزل جبريل ، فقال : يا محمّد إنّ الله يأمرك أن تجعل بينك ، وبينهم رجلاً ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " أترضون أن يكون بيني وبينكم سمرة بن عمرو ، وهو على دينكم ؟ " .

فقالوا : نعم . قال سمرة : أنا لا أحكم بينهم وعمّي شاهد ، وهو الأعور بن شامة فرضوا به .

فقال الأعور : أرى أن يفادي نصفهم ، ويعتق نصفهم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم " قد رضيت " .

ففادى نصفهم وأعتق نصفهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من كان عليه محرر من ولد إسماعيل ، فليعتق منهم " . فأنزل الله سبحانه وتعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ } " . . الآية ، وقال زيد بن أرقم : جاء ناس من الغرف إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم لبعض : انطلقوا بنا إلى هذا الرجل ، فإن يكن نبيّاً فنحن أسعد الناس به ، وأن يكن ملكاً نعشْ في جناحه . فجاءوا إلى حجرة النبيّ صلى الله عليه وسلم فجعلوا ينادونه : يا محمّد ، يا محمّد ، فأنزل الله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ الْحُجُرَاتِ } وهي جمع الحجر ، والحجر جمع حجرة ، فهو جمع الجمع ، وفيه لغتان : فتح ( الجيم ) وهي قراءة أبي جعفر ، كقول الشاعر :

أما كان عباد كفياً لدارم *** يلي ولأبيات بها الحجرات

يعني يلي ولبني هاشم .

{ أَكْثَرُهُمْ } جهلاء { لاَ يَعْقِلُونَ }