{ قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين } .
خير الرازقين : خير المعطين للرزق .
أكد القرآن هنا ما سبق أن قرره .
ومعنى الآية : إن الله تعالى يوسع على من يشاء ويضيق على من يشاء لحكمة إلهية عليا ، فقد يمتحن الإنسان بالغنى كما يمتحن آخر بالفقر أو البلاء .
قال تعالى : { ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون } . ( الأنبياء : 35 ) .
{ وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين } .
تكفل الله أن يعوض من أخرج نفقة في سبيل الله فعطاء الله متجدد وفي الحديث القدسي عند مسلم " يقول الله تعالى يا ابن آدم أنفق أُنفق عليك " xviii
وروى الشيخان عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ، ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا " . xix
أي هو سبحانه أفضل من رزق ، وأكرم من أعطى فإذا وزع السلطان أرزاق الجنود ومرتباتهم أو وزع الرجل أموالا على أولاده أو وزع الحاكم الأعطيات والمنح فذلك من رزق الله أجراه على أيدي هؤلاء وهو خالق الرزق وخالق الأسباب التي ينتفع بها المرزوق بالرزق .
قال القرطبي ما أنفق في معصية فلا خلاف انه غير مثاب عليه ولا مخلوف له وأما البنيان فما كان منه ضروريا يكن الإنسان ويحفظه فذلك مخلوف عليه ومأجور ببنيانه .
وقال الفخر الرازي : وخيرية الرزق في أمور :
أحدها : ألا يؤخر عن وقت الحاجة .
والثاني : ألا ينقص عن قدر الحاجة .
والرابع : ألا يكدره بطلب الثواب والله تعالى كذلك .
فهو سبحانه عالم وقادر وهو غني واسع هو كريم يرزق من يشاء بغير حساب وهو سبحانه يعطي عباده ولا ينتظر منهم مكافأة .
قال تعالى : { يأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد } . ( فاطر : 15 ) .
قوله تعالى : { قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه } يعني : يعطى خلفه ، قال سعيد بن جبير : ما كان في غير إسراف ولا تقتير فهو يخلفه . وقال الكلبي : ما تصدقتم من صدقة وأنفقتم في الخير من نفقة فهو يخلفه على المنفق ، إما أن يعجله في الدنيا وإما أن يدخره له في الآخرة . { وهو خير الرازقين } خير من يعطي ويرزق . وروينا عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى أنفق يا ابن آدم أنفق عليك " . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، أنبأنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا إسماعيل ، حدثنا أبي ، عن سليمان هو ابن بلال ، عن معاوية بن أبي مزرد ، عن أبي الحبحاب ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقاً خلفاً ، ويقول الآخر اللهم أعط ممسكاً تلفاً " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان ، أنبأنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ، أنبأنا حميد بن زنجويه ، أنبأنا ابن أبي أويس ، أنبأنا عبد العزيز بن محمد ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما نقصت صدقة من مال ، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً ، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أبو منصور السمعاني ، أنبأنا أبو جعفر الرياني ، أنبأنا حميد بن زنجويه ، أنبأنا أبو الربيع ، أنبأنا عبد الحميد بن الحسن الهلالي ، أنبأنا محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كل معروف صدقة وكل ما أنفق الرجل على نفسه وأهله كتب له صدقة ، وما وقى الرجل به عرضه كتب له به صدقة " .
قلت : ما يعني " ما وقى الرجل عرضه " قال : ما أعطى الشاعر وذا اللسان للتقى ، وما أنفق المؤمن من نفقة فعلى الله خلفها ضامناً إلا ما كان من نفقة في بنيان أو في معصية الله عز وجل . قوله : قلت ما يعني يقول عبد الحميد لمحمد بن المنكدر . قال مجاهد : إذا كان في يد أحدكم شيء فليقتصد ، ولا يتأول هذه الآية : { وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه } فإن الرزق مقسوم لعل رزقه قليل ، وهو ينفق نفقة الموسع عليه . ومعنى الآية : وما كان من خلف فهو منه .
ولما أبطل شبهتهم بشعبتيها بالنسبة إلى الأشخاص المختلفة ، قرب ذلك بدليل واحد في شخص واحد فقال : { قل } يا أشرف الخلق لهؤلاء الجهلة الذين يظنون أن الرزق بحسب حسن السعي وقبحه {[56993]}أو حسن{[56994]} حال الشخص عند الله وقبحها : { إن ربي } أي{[56995]} المحسن إليّ بهذا البيان المعجز { يبسط الرزق } أي متى شاء { لمن يشاء من عباده } أي على سبيل التجدد المستمر من أيّ طائفة كان { ويقدر له } أي يضيق عليه نفسه في حالتين متعاقبتين ، وهو بصفة واحدة على عمل واحد ، فلو{[56996]} أن الإكرام والإنعام يوجب الدوام لما تغيرت حاله من السعة إلى الضيق ، ولو أن في يده نفع نفسه لما اختلف حاله .
ولما بين هذا البسط أن فعله بالاختيار بعد أن بين بالأول كذبهم في أنه سبب للسلامة من النار . دل على أنه الفاعل لا غيره بقوله : { وما أنفقتم من شيء } أي أنتم وأخصامكم وغيرهم { فهو يخلفه } أي لا غيره بدليل أن المنفق قد يجتهد كل الاجتهاد في الإخلاف فلا ينفق ، فدل ذلك على أنه المختص بالإخلاف ، ولأن هذا هو المعنى لا أنه ضمن الإخلاف لكل من ينفق على أي وجه كان ، قال مجاهد كما نقله الرازي في اللوامع : " إذا كان في يد أحدكم شيء فليقتصد ولا يتأول الآية ، فإن الرزق مقسوم ، وما عال من اقتصد " كما رواه الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً ، والمعنى أنه قد دل الإخلاف على جميع الأشكال والأضداد على أن الأمر فيه على غير ما ظننتم من الإسعاف به في وقت موجب للإكرام على الدوام ، وأن ذلك إنما هو لضمانه الرزق لكل أحد بحسب ما قسمه له من على ما سبق به عمله وقدرته{[56997]} حكمته ، وتارة يكون إخلافه حساً وبالفعل ، وتارة يكون معنى وبالقوة ، بالترضية بتلك الحالة التي أدت إلى العدم ، قال القشيري : وهو{[56998]} أتم من السرور بالموجود ، ومن ذلك الأنس بالله في الخلوة ، ولا يكون ذلك إلا مع التجريد{[56999]} - انتهى . والمنفق بالاقتصاد داخل إن شاء الله تعالى تحت قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان : البخاري{[57000]} ومسلم{[57001]} عن أبي هريرة رضي الله عنه قال الله تعالى : " أنفق أنفق عليك " وما روى الشيخان{[57002]} وابن حبان في صحيحه أيضاً " ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان{[57003]} يقول أحدهما : اللهم أعط منفقاً خلفاً ، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكاً تلفاً " فهو خير الموسعين{[57004]} { وهو خير الرازقين * } أي الذين تعدونهم هذا العداد ممن يقيمهم {[57005]}هو سبحانه{[57006]} لكم فتضيفون الرزق إليهم ، فإنهم وسائط لا يقدرون إلا على ما قدرهم ، وأما هو سبحانه فهو يوجد المعدوم ، ويرزق من يطيعه ومن يعصيه ، ولا يضيق ترزيقه بأحد ، ولا يشغله فيه أحد عن أحد ، بل يبعث في كل يوم لكل أحد رزقه في آن واحد كما ينشر عليهم نوره بالشمس في آن واحد من غير توقيف لذلك على شيء من الأشياء غيرما سبق به العلم في الأزل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.