تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{رُدُّوهَا عَلَيَّۖ فَطَفِقَ مَسۡحَۢا بِٱلسُّوقِ وَٱلۡأَعۡنَاقِ} (33)

المفردات :

المسح : إمرار اليد على الجسم .

التفسير :

33-{ ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق } .

السوق جمع ساق ، والأعناق جمع عنق ، أي : قال سليمان لجنده : ردّوا الخيل علي – بعد أن غابت عنه – لأزداد تعرفا عليها ، وتقديرا لها ، فلما ردوها عليه ، أخذ يمسح على أرجلها وعلى أعناقها ، تقديرا لها وحبا وتكريما لها ، وقد فعل سليمان ذلك بنفسه ، وهو الرسول الملك ، ليكون قدوة لأمّته ورجاله في تكريم الخيل وتقديرها ، لأنها آلة النصر ووسيلة الجهاد .

آراء للمفسرين

كثيرا من المفسرين ذهب إلى أن سليمان عليه السلام ، استعرض الخيل وانشغل باستعراضها ، والنظر إلى عَدْوها وسرعتها حتى غابت الشمس ، وانشغل بالخيل عن صلاة العصر .

فقال لجنوده : ردّوا عليّ الخيل ، فلما ردّوها عليه ، أخذ السيف وجعل يقطع أرجلها ورقبتها ، لأنها شغلته عن الصلاة ، نجد ذلك في فسير النسفي ، وحاشية الجمل على الجلالين ، وغيرهما من كتب التفسير .

لكن الفخر الرازي في التفسير الكبير ، رفض هذا الرأي ، ورأى أن سليمان كان يكرّم الخيل ويختبرها بيده تشريفا لها ، لكونها من أعظم الأعوان في دفع العدوّ .

كذلك فإن الإمام ابن حزم قد رفض أن سليمان قد قتل الخيل ، لأنها شغلته عن صلاة العصر ، وقال إن هذه الفكرة خرافة موضوعة مكذوبة ، لأن فيها معاقبة خيل لا ذنب لها والتمثيل بها ، وإتلاف مال منتفع به بلا معنى ، ونسبة تضييع الصلاة إلى نبي مرسل ، ثم يعاقب الخيل على ذنبه ، لا على ذنبها ، وبيّن أن معنى الآيات أن سليمان أحب الخيل طاعة لله ، وأنه أمر بردها فطفق مسحا بسوقها وأعناقها بيده برا بها وإكراما لها ، وليس في الآيات ما يشير إلى قتل الخيل ، أو تعطيل الصلاة {[576]} .

تعليق

إننا في التفسير نحتاج إلى تحكيم النقل الصحيح ، والعقل السليم ، حتى نجرد تفسير القرآن الكريم من الدخيل ، ومن الإسرائيليات ، ومن الآراء التي تتصادم مع العقل والنقل ، وتسيء إلى رسل الله وإلى روح الأديان .

ومن المفسرين من ادعى أنه طلب ردّ الشمس حتى يصليّ العصر ، وليس لهذا الرأي سند من النقل ولا من العقل ، وكتاب الله غني عن هذه الأقوال المدخولة ، وكما يقوم الإمام محمد عبده : إن الله تعالى لن يسألنا يوم القيامة عما قال الناس في تفسير القرآن ، وإنما سيسألنا ماذا فهمتم من القرآن ، والقرآن غني عن الأقوال المريضة في تفسيره .

نحن في حاجة إلى أن نلتصق بالقرآن وأن نعود إلى روحه وروحانيته ، وآياته وآدابه وهدايته ، وفيه ما يكفي وما يشفي إن شاء الله رب العالمين .


[576]:انظر تفسير القاسمي.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{رُدُّوهَا عَلَيَّۖ فَطَفِقَ مَسۡحَۢا بِٱلسُّوقِ وَٱلۡأَعۡنَاقِ} (33)

قوله تعالى : { ردوها علي } أي : ردوا الخيل علي ، فردوها ، { فطفق مسحاً بالسوق والأعناق } فجعل يضرب سوقها وأعناقها بالسيف ، هذا قول ابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، و مقاتل ، وأكثر المفسرين ، وكان ذلك مباحاً له ، لأن نبي الله لم يكن يقدم على محرم ، ولم يكن يتوب عن ذنب بذنب آخر . وقال محمد بن إسحاق : لم يعنفه الله على عقر الخيل إذا كان ذلك أسفاً على ما فاته من فريضة ربه عز وجل . وقال بعضهم : إنه ذبحها ذبحاً وتصدق بلحومها ، وكان الذبح على ذلك الوجه مباحاً في شريعته . وقال قوم : معناه أنه حبسها في سبيل الله ، وكوى سوقها وأعناقها بكي الصدقة . وقال الزهري و ابن كيسان : إنه كان يمسح سوقها وأعناقها بيده ، يكشف الغبار عنها حبا لها وشفقة عليها ، وهذا قول ضعيف ، والمشهور هو الأول . وحكي عن علي أنه قال في معنى قوله : ( ( ردوها علي ) ) يقول سليمان بأمر الله عز وجل للملائكة الموكلين بالشمس : ( ( ردوها علي ) ) يعني : الشمس ، فردوها عليه حتى صلى العصر في وقتها ، وذلك أنه كان يعرض عليه الخيل لجهاد عدو ، حتى توارت .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{رُدُّوهَا عَلَيَّۖ فَطَفِقَ مَسۡحَۢا بِٱلسُّوقِ وَٱلۡأَعۡنَاقِ} (33)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"رُدّوها عَليّ" يقول: ردّوا عليّ الخيل التي عرضت عليّ، فشغلتني عن الصلاة، فكّروها عليّ...

وقوله: "فَطَفِقَ مَسْحا بالسّوقِ والأعْناقِ "يقول: فجعل يمسح منها السوق، وهي جمع الساق، والأعناق.

واختلف أهل التأويل في معنى مسح سليمان بسوق هذه الخيل الجياد وأعناقها؛ فقال بعضهم: معنى ذلك أنه عقرها وضرب أعناقها، من قولهم: مَسَحَ علاوته: إذا ضرب عنقه...

وقال آخرون: بل جعل يمسح أعرافها وعراقيبها بيده حُبّا لها. [عن ابن عباس].

وهذا القول الذي ذكرناه عن ابن عباس أشبه بتأويل الآية، لأن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم لم يكن إن شاء الله ليعذّب حيوانا بالعرقبة، ويهلك مالاً من ماله بغير سبب، سوى أنه اشتغل عن صلاته بالنظر إليها، ولا ذنب لها باشتغاله بالنظر أليها.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

...

التفسير المطابق للحق لألفاظ القرآن والصواب أن نقول: إن رباط الخيل كان مندوبا إليه في دينهم كما أنه كذلك في دين محمد صلى الله عليه وسلم ثم إن سليمان عليه السلام احتاج إلى الغزو فجلس وأمر بإحضار الخيل وأمر بإجرائها وذكر أني لا أحبها لأجل الدنيا ونصيب النفس، وإنما أحبها لأمر الله وطلب تقوية دينه وهو المراد من قوله عن ذكر ربي، ثم إنه عليه السلام أمر بإعدائها وتسييرها حتى توارت بالحجاب أي غابت عن بصره، ثم أمر الرائضين بأن يردوا تلك الخيل إليه فلما عادت إليه طفق يمسح سوقها وأعناقها، والغرض من ذلك المسح أمور؛ الأول: تشريفا لها وإبانة لعزتها لكونها من أعظم الأعوان في دفع العدو.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

وقالوا: إنه فاتته صلاة العشي لانشغاله باستعراض الخيل، فلما فاتَتْه الصلاة {رُدُّوهَا عَلَيَّ..} أي: الخيل، أرجعوها إليَّ {فَطَفِقَ..} شرع {مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ}

يعني: يمسح على سُوق الخيل وأعناقها دلالةً على إكرامها والاهتمام بها، وخصَّ السُّوق والأعناق من الخيل لأنها أكرمُ ما فيها، فالأعناق بها الأعراف، والسُّوق أداة الحَمْل والجري، والمعنى أنه سُرَّ منها فمسح بيده على السُّوق والأعناق.

بعض المفسرين لهم رأي آخر، قالوا: المسح هنا يُراد به أنه أراد قَتْلها وذبْحها؛ لأنها أَلْهَتْهُ عن الصلاة، وهذا الكلام أقربُ إلى الإسرائيليات؛ لأن الخيل لم تشغله، بل هو الذي شغلها وشغل الدنيا كلها من حوله، فما ذنب الخيل؟

والعجيب أن في الإسرائيليات أشياء كثيرة تقدح في نبوة الأنبياء في بني إسرائيل، وكثيراً ما نراهم يتهمون أنبياءهم بما لا يليق أبداً بالأنبياء، والعلة في ذلك أن الذي يسرف على نفسه وهو تابع لدين يريد أنْ يلتمس فيمن جاءه بهذا الدين شيئاً من النقيصة ليبرر إسرافه هو على نفسه، من هنا اتهموا أنبياءهم وخاضوا في أعراضهم.

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{رُدُّوهَا عَلَيَّۖ فَطَفِقَ مَسۡحَۢا بِٱلسُّوقِ وَٱلۡأَعۡنَاقِ} (33)

" ردوها علي فطفق مسحا " أي فأقبل يمسحها مسحا . وفي معناه قولان : أحدهما أنه أقبل يمسح سوقها وأعناقها بيده إكراما منه لها ، وليرى أن الجليل لا يقبح أن يفعل مثل هذا بخيله . وقال قائل هذا القول : كيف يقتلها ؟ وفي ذلك إفساد المال ومعاقبة من لا ذنب له . وقيل : المسح ها هنا هو القطع أذن له في قتلها . قال الحسن والكلبي ومقاتل : صلى سليمان الصلاة الأولى وقعد على كرسيه وهي تعرض عليه ، وكانت ألف فرس ، فعرض عليه منها تسعمائة فتنبه لصلاة العصر ، فإذا الشمس قد غربت وفاتت الصلاة ، ولم يعلم بذلك هيبة له فاغتم ، فقال : " ردوها علي " فردت فعقرها بالسيف ، قربة لله وبقي منها مائة ، فما في أيدي الناس من الخيل العتاق اليوم فهي من نسل تلك الخيل . قال القشيري : وقيل : ما كان في ذلك الوقت صلاة الظهر ولا صلاة العصر ، بل كانت تلك الصلاة نافلة فشغل عنها . وكان سليمان عليه السلام رجلا مهيبا ، فلم يذكره أحد ما نسي من الفرض أو النفل وظنوا التأخر مباحا ، فتذكر سليمان تلك الصلاة الفائتة ، وقال على سبيل التلهف : " إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي " أي عن الصلاة ، وأمر برد الأفراس إليه ، وأمر بضرب عراقيبها وأعناقها ، ولم يكن ذلك معاقبة للأفراس ؛ إذ ذبح البهائم جائز إذا كانت مأكولة ، بل عاقب نفسه حتى لا تشغله الخيل بعد ذلك عن الصلاة . ولعله عرقبها ليذبحها فحبسها بالعرقبة عن النفار ، ثم ذبحها في الحال ، ليتصدق بلحمها ، أو لأن ذلك كان مباحا في شرعه فأتلفها لما شغلته عن ذكر الله ، حتى يقطع عن نفسه ما يشغله عن الله ، فأثنى الله عليه بهذا ، وبين أنه أثابه بأن سخر له الريح ، فكان يقطع عليها من المسافة في يوم ما يقطع مثله على الخيل في شهرين غدوا ورواحا . وقد قيل : إن الهاء في قوله : " ردوها علي " للشمس لا للخيل .

قال ابن عباس : سألت عليا عن هذه الآية فقال : ما بلغك فيها ؟ فقلت سمعت كعبا يقول : إن سليمان لما اشتغل بعرض الأفراس حتى توارت الشمس بالحجاب وفاتته الصلاة ، قال : " إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي " أي آثرت " حب الخير عن ذكر ربي " الآية " ردوها علي " يعني الأفراس وكانت أربع عشرة ، فضرب سوقها وأعناقها بالسيف ، وأن الله سلبه ملكه أربعة عشر يوما ؛ لأنه ظلم الخيل . فقال علي بن أبي طالب : كذب كعب لكن سليمان اشتغل بعرض الأفراس للجهاد حتى توارت أي غربت الشمس بالحجاب فقال بأمر الله للملائكة الموكلين بالشمس : " ردوها " يعني الشمس فردوها حتى صلى العصر في وقتها ، وأن أنبياء الله لا يظلمون لأنهم معصومون .

قلت : الأكثر في التفسير أن التي توارت بالحجاب هي الشمس ، وتركها لدلالة السامع عليها بما ذكر مما يرتبط بها ومتعلق بذكرها ، حسب ما تقدم بيانه . وكثيرا ما يضمرون الشمس . قال لبيد :

حتى إذا ألْقَتْ يَدًا في كَافِرٍ *** وأَجَنَّ عوراتِ الثُّغُورِ ظلامُها

والهاء في " ردوها " للخيل ، ومسحها قال الزهري وابن كيسان : كان يمسح سوقها وأعناقها ، ويكشف الغبار عنها حبا لها . وقال الحسن وقتادة وابن عباس . وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رئي وهو يمسح فرسه بردائه . وقال : ( إني عوتبت الليلة في الخيل ) خرجه الموطأ عن يحيى بن سعيد مرسلا . وهو في غير الموطأ مسند متصل عن مالك عن يحيى بن سعيد عن أنس . وقد مضى في " الأنفال " قوله عليه السلام : ( وامسحوا بنواصيها وأكفالها ) وروى ابن وهب عن مالك أنه مسح أعناقها وسوقها بالسيوف . قلت : وقد استدل الشبلي وغيره من الصوفية في تقطيع ثيابهم وتخريقها بفعل سليمان هذا . وهو استدلال فاسد ؛ لأنه لا يجوز أن ينسب إلى نبي معصوم أنه فعل الفساد . والمفسرون اختلفوا في معنى الآية ، فمنهم من قال : مسح على أعناقها وسوقها إكراما لها وقال : أنت في سبيل الله ، فهذا إصلاح . ومنهم من قال : عرقبها ثم ذبحها ، وذبح الخيل وأكل لحمها جائز . وقد مضى في " النحل " بيانه . وعلى هذا فما فعل شيئا عليه فيه جناح . فأما إفساد ثوب صحيح لا لغرض صحيح فإنه لا يجوز . ومن الجائز أن يكون في شريعة سليمان جواز ما فعل ، ولا يكون في شرعنا . وقد قيل : إنما فعل بالخيل ما فعل بإباحة الله جل وعز له ذلك . وقد قيل : إن مسحه إياها وسمها بالكي وجعلها في سبيل الله ، فالله أعلم . وقد ضعف هذا القول من حيث أن السوق ليست بمحل للوسم بحال . وقد يقال : الكي على الساق علاط ، وعلى العنق وثاق . والذي في الصحاح للجوهري : علط البعير علطا كواه في عنقه بسمة العِلاَط . والعِلاَطَان جانبا العنق .

قلت : ومن قال إن الهاء في " ردوها " ترجع للشمس فذلك من معجزاته . وقد اتفق مثل ذلك لنبينا صلى الله عليه وسلم . خرج الطحاوي في مشكل الحديث عن أسماء بنت عميس من طريقين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوحى إليه ورأسه في حجر علي ، فلم يصل العصر حتى غربت الشمس ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أصليت يا علي ) قال : لا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس ) قالت أسماء : فرأيتها غربت ثم رأيتها بعدما غربت طلعت على الجبال والأرض ، وذلك بالصهباء في خيبر . قال الطحاوي : وهذان الحديثان ثابتان ، ورواتهما ثقات .

قلت : وضعف أبو الفرج ابن الجوزي هذا الحديث فقال : وغلوُّ الرافضة في حب علي عليه السلام حملهم على أن وضعوا أحاديث كثيرة في فضائله ، منها أن الشمس غابت ففاتت عليا عليه السلام العصر فردت له الشمس ، وهذا من حيث النقل محال ، ومن حيث المعنى فإن الوقت قد فات وعودها طلوع متجدد لا يرد الوقت . ومن قال : أن الهاء ترجع إلى الخيل ، وأنها كانت تبعد عن عين سليمان في السباق ، ففيه دليل على المسابقة بالخيل وهو أمر مشروع . وقد مضى القول فيه في " يوسف " .