{ يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون }
من ولي ولا شفيع : من ناصر ينصركم ولا وسيط يشفع لكم .
يدبر الأمر : يدبر أمر الدنيا مدة بقائها على وجه الإتقان ومراعاة الحكمة .
يدبر أمر الكون كله في العالم العلوي والسفلي ثم يصعد إليه أثر الأمر وتنفيذه بواسطة الملائكة وهذا تمثيل لعظمة الله وامتثال المخلوقات جميعا لمراده وتدبيره كالحاكم المطلق الذي يصدر أوامره ثم يتلقى من أعوانه ما يدل على تنفيذها .
والمراد بعروج الأمر إليه بعد تدبيره- سبحانه- وصول خبر وجوده بالفعل كما دبر إظهارا لكمال عظمته وعظيم سلطانه وذلك كعرض الملائكة عليه أعمال العباد الوارد في الأخبار . أه ( باختصار ) .
وقال ابن عباس : المعنى كان مقداره لو سار غير الملك ألف سنة لأن النزول خمسمائة والصعود خمسمائة وروى ذلك عن جماعة من المفسرين وهو اختيار الطبري ذكره المهدوي .
والمعنى : أن جبريل لسرعة سيره يقطع مسيرة ألف سنة في يوم من أيامكم ذكره الزمخشري .
وقيل : معنى في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون . . . ترفع الأمور الحاصلة في الدنيا صغيرها وكبيرها إلى الله تعالى يوم القيامة ليفصل فيها ويحكم في شأنها ويوم القيامة مقداره ألف سنة من أيام الدنيا التي نعدها في هذه الحياة .
والمراد من الألف : الزمن المتطاول الذي هو في لغة العرب أقصى نهاية العدد .
وفي موضع آخر وصف الله تعالى مقدار هذا اليوم بخمسين ألف سنة قال تعالى : تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة . ( -المعارج : 4 ) .
قال القرطبي : المعنى أن الله تعالى جعله في صعوبته على الكفار كخمسين ألف سنة قاله ابن عباس والعرب تصف أيام المكروه بالطول وأيام السرور بالقصر قال شاعرهم :
ويوم كظل الريح قصر طواله *** دم الزق عنا واصطفاق المزاهر
وقيل إن يوم القيامة فيه أيام فمنه ما مقداره ألف سنة ومنه ما مقداره خمسون ألف سنة . iv
{ يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه . . . . }
أي يتنزل أمره من أعلى السماوات إلى أقصى تخوم الأرض السابعة كما قال تعالى : الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن . . . 'الطلاق : 12 ) .
وترفع الأعمال إلى ديوانها فوق سماء الدنيا ومسافة ما بينها وبين الأرض خمسمائة سنة وسمك السماء خمسمائة سنة .
وقال مجاهد والضحاك : النزول من الملك في مسيرة خمسمائة عام وصعوده في مسيرة خمسمائة عام ولكنه يقطعها في طرفة عين ولهذا قال تعالى : في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون . أه .
أي : في يوم عظيم هو يوم القيامة طوله ألف سنة من أيام الدنيا لشدة أهواله .
قوله تعالى : { يدبر الأمر } أي : يحكم الأمر وينزل القضاء والقدر ، { من السماء إلى الأرض } وقيل : ينزل الوحي مع جبريل من السماء إلى الأرض ، { ثم يعرج } يصعد ، { إليه } جبريل بالأمر ، { في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون } أي : في يوم واحد من أيام الدنيا وقدر مسيرة ألف سنة ، خمسمائة نزوله ، وخمسمائة صعوده ، لأن ما بين السماء والأرض خمسمائة عام ، يقول : لو سار فيه أحد بني آدم لم يقطعه إلا في ألف سنة ، والملائكة يقطعونه في يوم واحد ، هذا في وصف عروج الملك من الأرض إلى السماء ، وأما قوله : { تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة } أراد مدة المسافة بين الأرض إلى السماء إلى سدرة المنتهى التي هي مقام جبريل ، يسير جبريل والملائكة الذين معه من أهل مقامه مسيرة خمسين ألف سنة في يوم واحد من أيام الدنيا . هذا كله معنى قول مجاهد والضحاك ، وقوله : إليه أي : إلى الله . وقيل : على هذا التأويل إلى مكان الملك الذي أمره الله عز وجل أن يعرج إليه . وقال بعضهم : ألف سنة وخمسون ألف سنة كلها في القيامة ، يكون على بعضهم أطول ، وعلى بعضهم أقصر ، معناه : يدبر الأمر من السماء إلى الأرض مدة أيام الدنيا ، ثم يعرج أي : يرجع الأمر والتدبير إليه بعد فناء الدنيا ، وانقطاع أمر الأمراء وحكم الحكام في يوم كان مقداره ألف سنة ، وهو يوم القيامة ، وأما قوله : { خمسين ألف سنة } فإنه أراد على الكافر يجعل الله ذلك اليوم عليه مقدار خمسين ألف سنة ، وعلى المؤمن دون ذلك حتى جاء في الحديث : أنه يكون على المؤمن كقدر صلاة مكتوبة صلاها في الدنيا . وقال إبراهيم التيمي : لا يكون على المؤمن إلا كما بين الظهر والعصر . ويجوز أن يكون هذا إخبار عن شدته وهوله ومشقته . وقال ابن أبي مليكة : دخلت أنا وعبد الله بن فيروز مولى عثمان بن عفان على ابن عباس وسأله ابن فيروز عن هذه الآية وعن قوله خمسين ألف سنة فقال له ابن عباس : أيام سماها الله لا أدري ما هي وأكره أن أقول في كتاب الله ما لا أعلم .
قوله تعالى : " يدبر الأمر من السماء إلى الأرض " قال ابن عباس : ينزل القضاء والقدر . وقيل : ينزل الوحي مع جبريل . وروى عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن سابط قال : يدبر أمر الدنيا أربعة : جبريل ، وميكائيل ، وملك الموت ، وإسرافيل ، صلوات الله عليهم أجمعين . فأما جبريل فموكل بالرياح والجنود . وأما ميكائيل فموكل بالقطر والماء . وأما ملك الموت فموكل بقبض الأرواح . وأما إسرافيل فهو ينزل بالأمر عليهم . وقد قيل : إن العرش موضع التدبير ، كما أن ما دون العرش موضع التفصيل ، قال الله تعالى : " ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات " {[12638]} [ الرعد : 2 ] . وما دون السموات موضع التصريف . قال الله تعالى : " ولقد صرفناه بينهم ليذكروا " {[12639]} [ الفرقان : 50 ] .
قوله تعالى : " ثم يعرج إليه " قال يحيى بن سلام : هو جبريل يصعد إلى السماء بعد نزوله بالوحي . وقال النقاش : هو الملك الذي يدبر الأمر من السماء إلى الأرض . وقيل : إنها أخبار أهل الأرض تصعد إليه مع حملتها من الملائكة . قاله ابن شجرة . وقيل : " ثم يعرج إليه " أي يرجع ذلك الأمر والتدبير إليه بعد انقضاء الدنيا " في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون " " في يوم كان مقداره ألف سنة " وهو يوم القيامة . وعلى الأقوال المتقدمة فالكناية في " يعرج " كناية عن الملك ، ولم يجر له ذكر لأنه مفهوم من المعنى ، وقد جاء صريحا في " سأل سائل " قوله : " تعرج الملائكة والروح{[12640]} إليه " [ المعارج : 4 ] . والضمير في " إليه " يعود على السماء على لغة من يذكرها ، أو على مكان الملك الذي يرجع إليه ، أو على اسم الله تعالى ؛ والمراد إلى الموضع الذي أقره فيه ، وإذا رجعت إلى الله فقد رجعت إلى السماء ، أي إلى سدرة المنتهى ، فإنه إليها يرتفع ما يصعد به من الأرض ومنها ينزل ما يهبط به إليها ، ثبت معنى ذلك في صحيح مسلم . والهاء في " مقداره " راجعة إلى التدبير ، والمعنى : كان مقدار ذلك التدبير ألف سنة من سني الدنيا ، أي يقضي أمر كل شيء لألف سنة في يوم واحد ، ثم يلقيه إلى ملائكته ، فإذا مضت قضى لألف سنة أخرى ، ثم كذلك أبدا . قاله مجاهد . وقيل : الهاء للعروج . وقيل : المعنى أنه يدبر أمر الدنيا إلى أن تقوم الساعة ، ثم يعرج إليه ذلك الأمر فيحكم فيه في يوم كان مقداره ألف سنة . وقيل : المعنى يدبر أمر الشمس في طلوعها وغروبها ورجوعها إلى موضعها من الطلوع ، في يوم كان مقداره في المسافة ألف سنة . وقال ابن عباس : المعنى كان مقداره لو ساره غير الملك ألف سنة ؛ لأن النزول خمسمائة والصعود خمسمائة . وروي ذلك عن جماعة من المفسرين ، وهو اختيار الطبري . ذكره المهدوي . وهو معنى القول الأول . أي أن جبريل لسرعة سيره يقطع مسيرة ألف سنة في يوم من أيامكم . ذكره الزمخشري . وذكر الماوردي على ابن عباس والضحاك أن الملك يصعد في يوم مسيرة ألف سنة . وعن قتادة أن الملك ينزل ويصعد في يوم مقداره ألف سنة ، فيكون مقدار نزوله خمسمائة سنة ، ومقدار صعوده خمسمائة على قول قتادة والسدي . وعلى قول ابن عباس والضحاك : النزول ألف سنة ، والصعود ألف سنة . " مما تعدون " أي مما تحسبون من أيام الدنيا . وهذا اليوم عبارة عن زمان يتقدر بألف سنة من سني العالم ، وليس بيوم يستوعب نهارا بين ليلتين ؛ لأن ذلك ليس عند الله . والعرب قد تعّبر عن مدة العصر باليوم ، كما قال الشاعر :
يومان يومُ مقامات وأندية *** ويومُ سير إلى الأعداء تأويبُ{[12641]}
وليس يريد يومين مخصوصين ، وإنما أراد أن زمانهم ينقسم شطرين ، فعّبر عن كل واحد من الشطرين بيوم . وقرأ ابن أبي عبلة : " يعرج " على البناء للمفعول . وقرئ : " يعدون " بالياء . فأما قوله تعالى : " في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة " فمشكل مع هذه الآية . وقد سأل عبد الله بن فيروز الديلمي عبد الله بن عباس عن هذه الآية وعن قوله : " في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة " فقال : أيام سمّاها سبحانه ، وما أدري ما هي ؟ فأكره أن أقول فيها ما لا أعلم . ثم سئل عنها سعيد بن المسيب فقال : لا أدري . فأخبرته بقول ابن عباس فقال ابن المسيب للسائل : هذا ابن عباس اتقى أن يقول فيها وهو أعلم مني . ثم تكلم العلماء في ذلك فقيل : إن آية " سأل سائل " [ المعارج : 1 ] هو إشارة إلى يوم القيامة ، بخلاف هذه الآية . والمعنى : أن الله تعالى جعله في صعوبته على الكفار كخمسين ألف سنة . قاله ابن عباس . والعرب تصف أيام المكروه بالطول وأيام السرور بالقصر . قال :
ويوم كظل الرمح قصَّر طولَه *** دَمُ الزّق عنا واصطفاقُ المزاهر
وقيل : إن يوم القيامة فيه أيام ، فمنه ما مقداره ألف سنة ومنه ما مقداره خمسون ألف سنة . وقيل : أوقات القيامة مختلفة ، فيعذب الكافر بجنس من العذاب ألف سنة ، ثم ينتقل إلى جنس آخر مدته خمسون ألف سنة . وقيل : مواقف القيامة خمسون موقفا ، كل موقف ألف سنة . فمعنى : " يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة " أي مقدار وقت ، أو موقف من يوم القيامة . وقال النحاس : اليوم في اللغة بمعنى الوقت ، فالمعنى : تعرج الملائكة والروح إليه في وقت كان مقداره ألف سنة ، وفي وقت آخر كان مقداره خمسين ألف سنة . وعن وهب بن منبه : " في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة " قال : ما بين أسفل الأرض إلى العرش . وذكر الثعلبي عن مجاهد وقتادة والضحاك في قوله تعالى : " تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة " {[12642]} [ المعارج : 4 ] أراد من الأرض إلى سدرة المنتهى التي فيها جبريل . يقول تعالى : يسير جبريل والملائكة الذين معه من أهل مقامه مسيرة خمسين ألف سنة في يوم واحد من أيام الدنيا . وقوله : " إليه " يعني إلى المكان الذي أمرهم الله تعالى أن يعرجوا إليه . وهذا كقول إبراهيم عليه الصلاة والسلام : " إني ذاهب إلى ربي سيهدين " {[12643]} [ الصافات : 99 ] أراد أرض الشام . وقال تعالى : " ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله " {[12644]} [ النساء : 100 ] أي إلى المدينة . وقال أبو هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أتاني من ربي عز وجل برسالة ثم رفع رجله فوضعها فوق السماء والأخرى على الأرض لم يرفعها بعد ) .