الأشهاد : جمع شاهد ، كصاحب وأصحاب ، والمراد : الأنبياء والحفظة ، ويوم يقوم الأشهاد : هو يوم القيامة .
51- { إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد } .
هذه الآية تقرير لحقيقة عظمى ، أي : ومن سنتنا أن ننصر رسلنا والذين آمنوا بهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة .
أما نصر الرسل في الدنيا فيكون بتوفيقهم في تبليغ الرسالة ، وإقامة الحجة ، واستمالة الأتباع ، ورعاية المؤمنين ، وذلك بشرح الرسالة ، وتعميق ألوان الهداية .
ونصر الرسل قد يكون حسيّا ، كما نجده في غرق فرعون ونجاة موسى ، وكما في نجاة نوح ومن جاء بعده من المرسلين ، كما في انتصار محمد صلى الله عليه وسلم في غزوات بدر وأحد والخندق والحديبية وفي فتح مكة وفي حنين ، بعد أن خرج في الهجرة ثاني اثنين إذ هما في الغار ، فالنصر قد يكون قريبا ، وقد يتأخر النصر لحكمة .
وقد يكون النصر معنويا ، وذلك باقتناع المؤمنين بالدعوة ، وتحملهم الموت في سبيل الحق ، فَوضْع إبراهيم في النار انتصار له ، ونجاته من النار انتصار آخر ، وامتثال إبراهيم لذبح إسماعيل انتصار ، ونجاة إسماعيل وذبح الفداء انتصار آخر ، وقصة أصحاب الأخدود تحكي استبسالهم وانتصارهم بعقيدتهم ، وموت يحيى بن زكريا ثم الانتقام من قاتليه انتصار . واستشهاد الحسين ، ثمّ توجّع الناس لهذه الشهادة انتصار ، حتى قال بعض المؤرخين : نصر الحسين ميتا أكثر منه حيّا ، فالنصر في الدنيا قد يكون حسيا ، وقد يكون معنويا .
لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم والإسلام لا يزال في بلاد العرب ، ولم تمض عشر سنوات على وفاته حتى فتح المسلمون بلا د الفرس وبلاد الروم مصر وغيرها .
أما النصر في الآخرة فهو النصر الحقيقي ، بدخول المؤمنين الجنة ، ودخول الكافرين النار ، بعد أن يقوم الرسل بالشهادة على أممهم ، بأنهم بلغوهم الرسالة ، وتشهد أيضّا الملائكة للرسل بتبليغ الرسالة ، وللمؤمنين بأداء الأمانة ، كما تشهد على الكفرة بالتكذيب والجحود .
قال تعالى : { ويوم يقوم الأشهاد } .
وهم الرسل والملائكة ، عند جمع الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم .
قوله عز وجل{ إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا } قال ابن عباس : بالغلبة والقهر . وقال الضحاك : بالحجة ، وفي الآخرة بالعذاب . وقيل : بالانتقام من الأعداء في الدنيا والآخرة ، وكل ذلك قد كان للأنباء والمؤمنين ، فهم منصورون بالحجة على من خالفهم ، وقد نصرهم الله بالقهر على من ناوأهم وإهلاك أعدائهم ، ونصرهم بعد أن قتلوا بالانتقام من أعدائهم ، كما نصر يحيى بن زكريا لما قتل ، قتل به سبعون ألفاً ، فهم منصورون بأحد هذه الوجوه ، { ويوم يقوم الأشهاد } أي : يوم القيامة يقوم الحفظة من الملائكة يشهدون للرسل بالتبليغ وعلى الكفار التكذيب .
قوله تعالى : " إنا لننصر رسلنا " ويجوز حذف الضمة لثقلها فيقال : " رسْلنا " والمراد موسى عليه السلام . " والذين آمنوا في الحياة الدنيا " في موضع نصب عطف على الرسل ، والمراد المؤمن الذي وعظ . وقيل : هو عام في الرسل والمؤمنين ، ونصرهم بإعلاء الحجج وإفلاحها في قول أبي العالية . وقيل : بالانتقام من أعدائهم . قال السدي : ما قتل قوم قط نبيا أو قوما من دعاة الحق من المؤمنين إلا بعث الله عز وجل من ينتقم لهم ، فصاروا منصورين فيها وإن قتلوا .
قوله تعالى : " ويوم يقوم الأشهاد " يعني يوم القيامة . قال زيد بن أسلم : " الأشهاد " أربعة : الملائكة والنبيون والمؤمنون والأجساد . وقال مجاهد والسدي : " الأشهاد " الملائكة تشهد للأنبياء بالإبلاغ وعلى الأمم بالتكذيب . وقال قتادة : الملائكة والأنبياء . ثم قيل : " الأشهاد " جمع شهيد مثل شريف وأشراف . وقال الزجاج : " الأشهاد " جمع شاهد مثل صاحب وأصحاب . النحاس : ليس باب فاعل أن يجمع على أفعال ولا يقاس عليه ولكن ما جاء منه مسموعا أدي كما سمع ، وكان على حذف الزائد . وأجاز الأخفش والفراء : " ويوم تقوم الأشهاد " بالتاء على تأنيث الجماعة . وفي الحديث عن أبي الدرداء وبعض المحدثين يقول عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من رد عن عرض أخيه المسلم كان حقا على الله عز وجل أن يرد عنه نار جهنم ) ثم تلا : " إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا " . وعنه عليه السلام أنه قال : ( من حمى مؤمنا من منافق يغتابه بعث الله عز وجل يوم القيامة ملكا يحميه من النار ومن ذكر مسلما بشيء يشينه به وقفه الله عز وجل على جسر من جهنم حتى يخرج مما قال{[13384]} ) .
ولما كان حاصل ما مضى من هذا القص الذي هو أحلى من الشراب ، وأغلى من الجوهر المنظم في أعناق الكواعب الأتراب ، لأنه سبحانه نصر الرسل على أممهم حين هموا بأخذهم ، فلم يصلوا إليهم ثم أهلكهم الله هذا في الدنيا ، وأما في الآخرة فعذبهم أشد العذاب ، وكذلك نصر موسى عليه السلام والمؤمن الذي دافع عنه ، وكان نصر اهل الله قاطبة خفياً ، لأنهم يُبتلون ثم يكون لهم العاقبة ، فكان أكثر الجامدين وهم أكثر الناس يظن أنه لا نصرة لهم ، قال الله تعالى لافتاً القول إلى مظهر العظمة ، لأن النصرة عنها تكون على سبيل الاستنتاج مما مضى مؤكداً تنبيهاً للأغبياء على ما يخفى عليهم : { إنا } أي بما لنا من العظمة { لننصر رسلنا } أي على من ناوأهم { والذين آمنوا } أي اتسموا بهذا الوصف وإن كانوا في أدنى رتبة .
ولما كانت الحياة تروق وتحلو بالنصرة وتتكدر بضدها ، ذكرها لذلك ولئلا يتوهم لو سقطت أن نصرتهم تكون رتبتها دنية فقال : { في الحياة الدنيا } بالزامهم طريق الهدى الكفيلة بكل فوز وبالحجة والغلبة ، وإن غلبوا في بعض الأحيان فإن العاقبة تكون لهم ، ولو بأن يقيض سبحانه لأعدائهم من يقتص ولو بعد حين ، وأقل ذلك أن لا يتمكن أعداؤهم من كل ما يرون منهم { ويوم يقوم الأشهاد * } أي في الدار الآخرة من الملائكة والنبيين وسائر المقربين ، جمع شهيد كشريف وأشراف ، إشارة إلى أن شهادتهم بليغة في بابها ، لما لهم من الحضور التام ، وإلى ذلك يشير تذكير الفعل والتعبير بجمع القلة ، ولكن الجياد قليل مع أنهم بالنسبة إلى أهل الموقف كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود ، وإنما عبر بذلك إشارة إلى تجلي الحكم بالعدل بصفات الجبروت للقسط ، فيرفع أولياءه بكل اعتبار ، ويهين أعداءهم كل إهانة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.