تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيۡرِ عَمَدٖ تَرَوۡنَهَاۖ وَأَلۡقَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمۡ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٖۚ وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَنۢبَتۡنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوۡجٖ كَرِيمٍ} (10)

{ خلق السموات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم( 10 ) هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين( 11 ) }

المفردات :

بغير عمد : العمد واحدها عماد ، وهو ما يعمد به أي : يسند به تقول : عمدت الحائط إذا دعمته .

رواسي : جبالا ثوابت .

تميد : تضطرب .

بث فيها : البث : الإثارة والتفريق كما قال الله تعالى : كالفراش المبثوث ( القارعة 4 ) والمراد : الإيجاد والإظهار .

زوج : صنف .

كريم : شريف كثير المنفعة .

التفسير :

{ خلق السموات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم . }

خلق الله السماوات ورفعها فوق رؤوسنا بدون أعمدة ونحن نشاهدها صباح مساء مرفوعة عالية بدون أعمدة ، مع أن بيوتنا لا ترتفع أسقفها إلا على أعمدة ومن تسبيح المؤمنين : سبحانه الأبدي الأبد سبحان من رفع السماء بلا عمد ، سبحان من قسم الأرزاق فلم ينس أحد سبحان من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد .

فالضمير في ترونها : عائد على السماوات قال الحسن وقتادة : ليس لها عمد مرئية ولا غير مرئية ويجوز أن يعود الضمير على الأعمدة فيكون مخفوضا مثلها .

أي إن الله خلق السماوات بغير أعمدة مشاهدة بالعين وإن كانت لها أعمدة غير مرئية منها الجاذبية أو قوة القدرة الإلهية التي أبدعت كل شيء خلقته قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد : لها عمد لا ترونها .

{ وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم . . . . } ووضع الله في الأرض جبالا راسية ، أرست الأرض وثقلتها حتى لا تميد ولا تضطرب بأهلها قال تعالى : والجبال أرساها ( النازعات : 32 ) .

{ وبث فيها من كل دابة . . . } أوجد في الأرض من أصناف الحيوانات ما لا يعلم عدد أشكالها وألوانها إلا الذي خلقها .

{ وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم . }

أنزل الله من السماء ماء ، فأحيا به الأرض بعد موتها وأنبت فيها أصناف النباتات مختلفة الألوان والأشكال كما أنبت فيها أصناف الحيوان والإنسان .

قال الشعبي : والناس أيضا من نبات الأرض فمن دخل الجنة فهو كريم ومن دخل النار فهو لئيم .

وجاء في تفسير روح البيان للشيخ إسماعيل حقي البروسي المتوفى سنة 1137 ه :

واعلم وفقنا الله جميعا للتفكير في عجائب صنعه وغرائب قدرته- أن عقول العقلاء وأفهام الأذكياء قاصرة متحيرة في أمر النباتات والأشجار وعجائبها وخواصها وفوائدها ومضارها ومنافعها وكيف لا وأنت تشاهد اختلاف أشكالها وتباين ألوانها وعجائب صور أوراقها وروائح أزهارها وكل لون من ألوانها ينقسم إلى أقسام كالحمرة مثلا : كوردي وأرجواني وسوسني وشقائقي وخمري وعنابي وعقيقي ودموي وغير ذلك مع اشتراك الكل في الحمرة ثم عجائب روائحها ومخالفة بعضها بعضا واشتراك الكل في طيب الرائحة وعجائب أشكال أثمارها وحبوبها وأوراقها ولكل لون وريح وطعم وورق وثمر وزهر وحب خاصية لا تشبه الأخرى ولا يعلم حقيقة الحكمة فيها إلا اللهو الذي يعرفه الإنسان في ذلك بالنسبة إلى ما لا يعرفه كقطرة من بحر . v أه .

من ألوان البيان :

في الآية بيان قدرة الخالق الذي خلق السماء مرتفعة بغير همد مرئية واحكام بناءها وحفظها من السقوط ، وبسط الأرض وحفظ توازنها بالجبال المرتفعة الشاهقة ، ونثر فيها المخلوقات من الحيوان والإنسان ثم تحدث عن قدرة الرازق بعد أن تحدث عن قدرة الخالق فبين قدرته على إنزال المطر وإنبات صنوف النباتات المتعددة كثيرة المنافع جميلة المنظر .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيۡرِ عَمَدٖ تَرَوۡنَهَاۖ وَأَلۡقَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمۡ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٖۚ وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَنۢبَتۡنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوۡجٖ كَرِيمٍ} (10)

{[53704]}ولما ختم بصفتي العزة - وهي غاية القدرة - والحكمة - وهي ثمرة العلم - دل{[53705]} عليها باتقان أفعاله وإحكامها فقال : { خلق السماوات } أي على علوها وكبرها وضخامتها { بغير عمد } وقوله : { ترونها } دال{[53706]} على الحكمة ، إن قلنا إنه صفة لعمد أو استئناف ، إما أن قلنا بالثاني فلكون{[53707]} مثل هذا الخلق الكبير الواسع يحمل بمحض{[53708]} القدرة ، وإن قلنا بالأول{[53709]} فتركيب مثله على عمد تكون في العادة حاملة له وهي مع ذلك بحيث لا ترى أدخل في الحكمة وأدق في اللطافة والعظمة ، لأنه يحتاج إلى عملين : تخفيف الكثيف وتقوية اللطيف .

ولما ذكر العمد المقلة{[53710]} ، اتبعه الأوتاد المقرة فقال : { وألقى في الأرض } أي{[53711]} التي{[53712]} أنتم عليها ، جبالاً { رواسي }

والعجب أنها من فوقها وجميع الرواسي التي تعرفونها تكون من تحت{[53713]} ، تثبتها عن { أن تميد{[53714]} } أي تتمايل مضطربة { بكم } كما هو شأن ما على ظهر الماء .

ولما ذكر إيجادها وإصلاحها للاستقرار . ذكر ما خلقت له من الحيوان فقال : { وبث فيها } أي فرق { من كل دابة } ولما ذكر ذلك ، ذكر{[53715]} ما يعيش به ، فقال منبهاً لمظهر العظمة على أن ذلك وإن كان لهم في بعضه تسبب {[53716]}لا يقدر{[53717]} عليه إلا هو سبحانه : { وأنزلنا } أي بما لنا من العزة اللازمة للقدرة ، وقدم ما{[53718]} لا قدرة لمخلوق عليه بوجه فقال : { من السماء ماء } ولما تسبب عن ذلك تدبير الأقوات ، وكان من آثار الحكمة التابعة للعلم ، دل عليه بقوله : { فأنبتنا } أي{[53719]} بما لنا من العلو{[53720]} في الحكمة { فيها } أي الأرض بخلط الماء بترابها { من كل زوج } أي صنف من النبات متشابه { كريم* } بما له من البهجة والنضرة الجالبة للسرور والمنفعة والكثرة الحافظة لتلك الدواب .


[53704]:زيد في الأصل: كان هذا التقدير بحكمته، ولم تكن الزيادة في ظ وم ومد فحذفناها.
[53705]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: دلت.
[53706]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: دالا.
[53707]:زيد من ظ وم ومد.
[53708]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: لمحض.
[53709]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: الثاني.
[53710]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: للقلة.
[53711]:زيد من ظ وم ومد.
[53712]:سقط من ظ ومد.
[53713]:في الأصل بياض، ملأناه من ظ وم ومد.
[53714]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: تميل.
[53715]:في الأصل بياض، ملأناه من ظ وم ومد.
[53716]:في الأصل بياض، ملأناه من ظ وم ومد.
[53717]:في الأصل بياض، ملأناه من ظ وم ومد.
[53718]:زيد من ظ وم ومد.
[53719]:سقط من ظ.
[53720]:في ظ: العلم.