قرآنا عربيا : أنزلناه قرآنا عربيا بلسان قومك .
يوم الجمع : يوم القيامة ، سمى بذلك لاجتماع الخلائق فيه ، كما قال تعالى : { يوم يجمعكم ليوم الجمع . . . } ( التغابن : 9 ) .
السعير : النار الموقدة المستعرة .
7- { وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير } .
ومثل ذلك الوحي البديع المفهم ، أوحينا إليك قرآنا عربيا قد بلغ الذروة في الفصاحة والبيان ، لتبلغ رسالة الإسلام إلى مكة أم القرى ، فهي بلد البيت الحرام ، وبلد الحرم الآمن ، وبلد رحلة الشتاء إلى اليمن ، ورحلة الصيف إلى الشام .
وقد قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم : ( والله إنك خير أرض الله ، وأحب أرض الله إلى الله ، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت )2 .
{ وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه . . . }
لتخبر الناس بأمر الآخرة ، واجتماع الأولين والآخرين في صعيد واحد للحساب والجزاء ، وهذا أمر يقيني لا شك فيه ، حيث ينقسم الناس إلى قسمين : فريق أطاع وآمن وعمل صالحا ، وكفّ عن المحرمات والمنهيات ، فهو في رحمة الله وجنته ، وفريق آثر الكفر والظلم والبعد عن الإيمان ، فاستحق النار التي تتسعر به .
{ وكذلك أوحينا إليك . . . } أي ومثل ذلك الإيحاء البديع البين أوحينا إليك قرآنا عربيا ، لا لبس فيه عليك ولا على قومك . { لتنذر أم القرى } أي أهل أم القرى وهي مكة ؛ وسميت بذلك لأنها بالنسبة لما حولها كالأصل . { ومن حولها } أي تنذر من حولها من العرب العذاب على الشرك بالله . وخصوا بالذكر مع عموم الرسالة لأنهم أول المنذرين ، وأقرب من سواهم إليه صلى الله عليه وسلم . { وتنذر يوم الجمع } أي وتنذر الناس هول يوم القيامة الذي يجتمع فيه الخلائق للحساب ، ويقضى فيه على فريق بالعذاب ولفريق بالثواب .
يوم الجمع : يوم القيامة ، سمي بذلك لاجتماع الخلائق .
السعير : النار الموقدة المتأججة .
ثم بيّن بوضوح أنه تعالى أنزل على رسوله قرآناً عربياً بلغة قومه ليفهموه ، لينذر أهلَ مكة ومن حولهم من العرب ابتداءً ثم ينشرونه في العالم . وهذه سُنة الله كما قال : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ } [ إبراهيم : 4 ] .
وكذلك لتنذرَهم يا محمد أن يوم القيامة آتٍ لا شك فيه ، وأن الناس في ذلك اليوم فريقان : { فَرِيقٌ فِي الجنة وَفَرِيقٌ فِي السعير } الأول يدخل الجنة بإيمانه وما قدّم من صالح الأعمال ، والثاني يدخل النار بكفره وما قدّم من سيء الأعمال .
قوله تعالى : { وكذلك } مثل ما ذكرنا ، { أوحينا إليك قرآناً عربياً لتنذر أم القرى } مكة ، يعني : أهلها ، { ومن حولها } يعني قرى الأرض كلها ، { وتنذر يوم الجمع } أي : تنذرهم بيوم الجمع وهو يوم القيامة يجمع الله الأولين والآخرين وأهل السماوات و الأرضين . { لا ريب فيه } لا شك في الجمع أنه كائن ثم بعد الجمع يتفرقون . { فريق في الجنة وفريق في السعير } أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، حدثنا أبو منظور الشامي ، حدثنا أبو العباس الأصم ، حدثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان التنوخي ، حدثنا بشر بن بكر ، حدثني سعيد بن عثمان عن أبي الراهويه ، حدثنا جرير بن كريب عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال الثعلبي : وأخبرنا أبو عبد الله ابن فنجويه الدينوري ، حدثنا أبو بكر بن مالك القطيعي ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبو هاشم بن القاسم ، حدثنا ليث ، حدثني أبو قبيل المعافري عن شفي الأصبحي عن عبد الله بن عمرو قال : " خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم قابضاً على كفيه ومعه كتابان ، فقال : أتدرون ما هذان الكتابان ؟ قلنا : لا يا رسول الله إلا أن تخبرنا فقال : للذي في يده اليمنى : هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وعشائرهم وعدتهم قبل أن يستقروا نطفاً في الأصلاب ، وقبل أن يستقروا نطفاً في الأرحام إذ هم في الطينة منجدلون فليس بزائد فيهم ولا ناقص منهم ، إجمال من الله عليهم إلى يوم القيامة ، ثم قال : للذي في يساره : هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وعشائرهم وعدتهم قبل أن يستقروا نطفاً في الأصلاب ، وقبل أن يستقروا نطفاً في الأرحام إذ هم في الطينة منجدلون ، فليس بزائد فيهم ولا بناقص منهم ، إجمال من الله عليهم إلى يوم القيامة ، قال عبد الله بن عمرو : ففيم العمل إذاً يا رسول الله ؟ فقال : اعملوا وسددوا وقاربوا ، فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة ، وإن عمل أي عمل ، ثم قال : { فريق في الجنة } { فضل من الله } { وفريق في السعير } عدل من الله عز وجل .
قوله تعالى : " وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا " أي وكما أوحينا إليك وإلى من قبلك هذه المعاني فكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا بيناه بلغة العرب . قيل : أي أنزلنا عليك قرآنا عربيا بلسان قومك ، كما أرسلنا كل رسول بلسان قومه . والمعنى واحد . " لتنذر أم القرى " يعني مكة . قيل لمكة أم القرى لأن الأرض دحيت من تحتها . " ومن حولها " من سائر الخلق . " وتنذر يوم الجمع " أي بيوم الجمع ، وهو يوم القيامة . " لا ريب فيه " لا شك فيه . " فريق في الجنة وفريق في السعير " ابتداء وخبر . وأجاز الكسائي النصب على تقدير : لتنذر فريقا في الجنة وفريقا في السعير .