فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَكَذَٰلِكَ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ قُرۡءَانًا عَرَبِيّٗا لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلۡقُرَىٰ وَمَنۡ حَوۡلَهَا وَتُنذِرَ يَوۡمَ ٱلۡجَمۡعِ لَا رَيۡبَ فِيهِۚ فَرِيقٞ فِي ٱلۡجَنَّةِ وَفَرِيقٞ فِي ٱلسَّعِيرِ} (7)

{ وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا } .

مثلما ارتضيتك والرسل السابقين للدعوة إليّ ، أنزلت على من شئت منهم كتبا من عندي ، وأنزلت عليك كتابا جمع أصول الكتب السابقة ، وصدقها وهيمن عليها ، وجعلته بلسان عربي مبين لأن العرب قومك ، ولأني أعلم من الحكمة في ذلك ما لا يعلم الخلق . وكأن العطف هنا على المعنى المشار إليه في الآية الثالثة من هذه السورة : { كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله . . } هذا والأصل اللغوي [ القرآن ] ربما يكون القرء والجمع ، وسمي كتاب الله المجيد { قرآنا } لأنه جمع أصول الرسالات والشرائع التي أنزلها الله قبل هذا الذكر الحكيم .

{ لتنذر أم القرى ومن حولها } .

أنزلنا إليك هذا القرآن لتنذر أهل مكة وتحذرهم عاقبة عبادة الأصنام والتمادي في البغي والعصيان ؛ وسميت مكة { أم القرى } لأنها مركز دائرة المدائن- كما أن مركز الدائرة هو محورها الذي تدور من حوله ؛ ولقد ثبت لمهندس متخصص في بحث له أن المسجد الحرام هو قلب الدنيا ووسطها- { ومن حولها } العالم كله ، فإن رسالة القرآن عامة وشاملة ؛ وصدق الله موحيه : { وما أرسلناك إلا كافة للناس . . }{[4233]} { قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا . . }{[4234]} وفي العبارة مجاز عقلي ، فليس المراد أن يحذر بنيان مكة ، وإنما إنسان مكة ، فكأن المراد : لتنذر أهل أم القرى .

{ وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه }

وتحذر من الشك في مجيء يوم القيامة - يوم يحشر الله الخلق جميعا-ومن الغفلة عن التزود له ، ومما ينتظر المكلفين فيه من أهوال .

{ فريق في الجنة وفريق في السعير( 7 ) } .

يوم الجمع يقضي الله بين العباد ، ويجزي الذين آمنوا وأحسنوا فيأمر بهم إلى دار النعيم والثواب الكريم المقيم { الجنة } ويأمر سبحانه–أن يصار بأهل الفسوق والكفر إلى دار العذاب والخزي والحريق والذل { السعير } .


[4233]:سورة سبأ .من الآية 28.
[4234]:سورة الأعراف .من الآية 108.