جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{وَكَذَٰلِكَ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ قُرۡءَانًا عَرَبِيّٗا لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلۡقُرَىٰ وَمَنۡ حَوۡلَهَا وَتُنذِرَ يَوۡمَ ٱلۡجَمۡعِ لَا رَيۡبَ فِيهِۚ فَرِيقٞ فِي ٱلۡجَنَّةِ وَفَرِيقٞ فِي ٱلسَّعِيرِ} (7)

القول في تأويل قوله تعالى :

وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لّتُنذِرَ أُمّ الْقُرَىَ وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لاَ رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنّةِ وَفَرِيقٌ فِي السّعِيرِ

يقول تعالى ذكره : وهكذا أوْحَيْنا إلَيْكَ يا محمد قُرْآنا عَرَبِيّا بلسان العرب ، لأن الذين أرسلتك إليهم قوم عرب ، فأوحينا إليك هذا القرآن بألسنتهم ، ليفهموا ما فيه من حجج الله وذكره ، لأنا لا نرسل رسولاً إلا بلسان قومه ، ليبين لهم لِتُنْذِرَ أُمّ القُرَى وهي مكة وَمَنْ حَوْلَهَا يقول : ومن حول أمّ القرى من سائر الناس . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، في قوله : لِتُنْذِرَ أُمّ القُرَى قال : مكة .

وقوله : وَتُنْذِرَ يَوْمَ الجَمْعِ يقول عزّ وجلّ : وتنذر عقاب الله في يوم الجمع عباده لموقف الحساب والعرض . وقيل : وتنذر يوم الجمع ، والمعنى : وتنذرهم يوم الجمع ، كما قيل : يخوّف أولياءه ، والمعنى : يخوّفكم أولياءه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ وَتُنْذِرَ يَوْمَ الجَمْعِ قال : يوم القِيامَةِ .

وقوله : لا رَيْبَ فِيهِ يقول : لا شكّ فيه .

وقوله : فَرِيقٌ فِي الجَنّة وَفَرِيقٌ فِي السّعِيرِ يقول : منهم فريق في الجنة ، وهم الذين آمنوا بالله واتبعوا ما جاءهم به رسوله صلى الله عليه وسلم وَفَرِيقٌ فِي السّعِيرِ يقول : ومنهم فريق في الموقدة من نار الله المسعورة على أهلها ، وهم الذين كفروا بالله ، وخالفوا ما جاءهم به رسوله . وقد :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، عن أبي قبيل المعافريّ ، عن شفيّ الأصبحيّ ، عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كتابان ، فقال : «هَلْ تَدْرُونَ ما هَذَا ؟ » فقلنا : لا ، إلا أن تخبرنا يا رسول الله ، قال : «هَذَا كِتابٌ مِنْ رَبّ العالَمِينَ ، فِيهِ أسْماءُ أهْلِ الجَنّةِ ، وأسماءُ آبائِهِمْ وَقَبَائِلِهمْ » ، ثُمّ أُجْمِلَ ، على آخِرِهِم ، «فَلا يُزادُ فِيهِمْ وَلا يُنْقَصُ مِنْهُمْ أبَداً ، وَهَذَا كِتابُ أهْلِ النّارِ بِأسمْائِهِمْ وأسْماءِ آبائِهِمْ » ، ثُمّ أُجْمِلَ على آخِرِهِم ، «فَلا يُزَادُ وَلا يُنْقَصُ مِنْهُمْ أبَداً » ، قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : ففيم إذن نعمل إن كان هذا أمر قد فُرغ منه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «بَلْ سَدّدُوا وَقارِبُوا ، فإنّ صَاحِبَ الجَنّةِ يُخْتمُ لَهُ بعَمَلِ الجَنّةِ وَإنْ عَمِلَ أيّ عَمَلٍ ، وَصَاحِبُ النّارِ يُخْتَمُ لَه بعَمَلِ النّارِ وَإنْ عَمِلَ أيّ عَمَلٍ ، فَرَغَ رَبّكُمْ مِنَ العِبادِ » ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه فنبذهما : «فَرَغ رَبّكُمْ مِنَ الخَلْقِ ، فَرِيقٌ فِي الجَنّةِ ، وَفَرِيقٌ فِي السّعِيرِ » قالوا : سبحان الله ، فلم نعمل وننصب ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «العَمَلُ إلى خَوَاتِمِهِ » .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحرث وحيوة بن شريح ، عن يحيى بن أبي أسيد ، أن أبا فراس حدثه أنه سمع عبد الله بن عمرو يقول : إن الله تعالى ذكره لما خلق آدم نفضه نفض المزود ، فأخرج منه كلّ ذرية ، فخرج أمثال النغف ، فقبضهم قبضتين ، ثم قال : شقي وسعيد ، ثم ألقاهما ، ثم قبضهما فقال : فَرِيقٌ فِي الجَنّةِ وَفَرِيقٌ فِي السّعِيرِ .

قال : أخبرني عمرو بن الحرث ، عن أبي شُبّويه ، حدثه عن ابن حجيرة أنه بلغه أن موسى قال : يا ربّ خلقك الذين خلقتهم ، جعلت منهم فريقاً في الجنة وفريقاً في السعير ، لوما أدخلتهم كلهم الجنة قال : يا موسى ارفع زرعك ، فرفع ، قال : قد رفعت ، قال : ارفع ، فرفع ، فلم يترك شيئاً ، قال : يا ربّ قد رفعت ، قال : ارفع ، قال : قد رفعت إلا ما لا خير فيه ، قال : كذلك أدخل خلقي كلهم الجنة إلا ما لا خير فيه . وقيل : فَرِيقٌ فِي الجَنّةِ وَفَرِيقٌ فِي السّعِيرِ فرفع ، وقد تقدّم الكلام قبل ذلك بقوله : لِتُنْذِرَ أُمّ القُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا بالنصب ، لأنه أريد به الابتداء ، كما يقال : رأيت العسكر مقتول أو منهزم ، بمعنى : منهم مقتول ، ومنهم منهزم .