الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَكَذَٰلِكَ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ قُرۡءَانًا عَرَبِيّٗا لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلۡقُرَىٰ وَمَنۡ حَوۡلَهَا وَتُنذِرَ يَوۡمَ ٱلۡجَمۡعِ لَا رَيۡبَ فِيهِۚ فَرِيقٞ فِي ٱلۡجَنَّةِ وَفَرِيقٞ فِي ٱلسَّعِيرِ} (7)

ثم قال تعالى : { وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها } ، أي : أوحينا إليك يا محمد قرآنا بلسان العرب لتنذر عذاب الله أهل أم القرى ، وهي مكة سميت بذلك لأن الأرض دحيت{[60676]} منها .

وقيل : سميت ( أم القرى لأنها أول ما عظم وشرف من القرى . وقيل : سميت ){[60677]} بذلك لأنها{[60678]} أول ما وضع . كما قال{[60679]} : { إن أول بيت وضع للناس الذي ببكة مباركا }{[60680]} .

وقوله : { ومن حولها } ، أي : ومن{[60681]} حول أم القرى من سائر الناس .

ثم قال تعالى : { وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه } ، أي : وتنذرهم عقاب الله الكائن في يوم الجمع لا شك فيه ، وهو يوم القيامة . وهذا في الحذف مثل قوله تعالى / { يخوف أولياءه }{[60682]} أي : يخوفكم بأوليائه ، فكذلك المعنى : وتنذرهم{[60683]} عقاب الله الكائن يوم الجمع ، ثم حذف .

فيكون ( يوم ) على هذا نصبا{[60684]} على الظرف .

ويجوز أن يكون النصب{[60685]} على المفعول به كما قال : { وأنذرهم يوم الحسرة }{[60686]} وكما قال : { وأنذر الناس يوم ياتيهم العذاب }{[60687]} فكل هذا انتصب على أنه مفعول به وليس{[60688]} بظرف للإنذار ، لأن الإنذار لا يكون يوم القيامة إنما الإنذار في الدنيا .

ثم قال تعالى : { فريق في الجنة وفريق في السعير } ، أي : منهم فريق في الجنة وهم المؤمنون ، وفريق في السعير – وهي جهنم – وهم الكفار . وسميت جهنم بالسعير لأنها تسعر على أهلها ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خرج يوما على أصحابه وفي يده كتابان{[60689]} ، فقال : " هل تدرون ما هذا " ؟ فقلنا : لا ، إلا أن ( تخبرنا يا رسول الله ) قال : " هذا كتاب من رب العالمين ، فيه أسماء أهل{[60690]} الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم ، ثم أجمل{[60691]} على آخرهم فلا يزاد فيهم{[60692]} ولا ينقص منهم أبدا ( وهذا كتاب أهل النار بأسمائهم وأسماء آبائهم ، ثم أجمل على آخرهم فلا ينقص منهم أبدا ){[60693]} فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم{[60694]} : ففيم العمل إذا كان هذا أمل قد فرغ منه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بل سددوا وقاربوا ، فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة ، وإن عمل أي عمل ، وإن صاحب النار يختم له بعمل أهل النار ، وإن عمل أي عمل . فرغ ربكم من العباد ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فنبذهما{[60695]} : " فرغ ربكم من الخلق ، فريق في الجنة ، وفريق في السعير " قالوا : سبحان الله ، فلم نعمل وننصب ؟ ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " العمل إلى خواتمه " {[60696]} .

وكان ابن عمر{[60697]} يقول : ( إن الله جل ثناؤه لما خلق آدم نفضه نفض المزود فأخرج منه كل ذرية ، فخرج أمثال النَّغَفِ{[60698]} فقبضهم قبضتين ، وقال : شقي وسعيد{[60699]} ، ثم ألقاهما ، ثم قبضهما فقال : فريق في الجنة وفريق في السعير ){[60700]} .


[60676]:(ح): دحية.
[60677]:في طرة (ح).
[60678]:(ت): لأنه.
[60679]:ساقط من (ت).
[60680]:آل عمران آية 96.
[60681]:(ح): من.
[60682]:آل عمران آية 175.
[60683]:(ت): وينذرهم.
[60684]:(ت): نصب.
[60685]:(ت): انتصب.
[60686]:مريم آية 38.
[60687]:إبراهيم آية 46.
[60688]:(ت): ويسمى.
[60689]:(ح): كتابا.
[60690]:في طرة (ح).
[60691]:(ت): أحمل بمهملة.
[60692]:(ح): فيه.
[60693]:ساقط من ح.
[60694]:(ح): فيريه.
[60695]:(ح): خواتيمه.
[60696]:الحديث أخرجه الترمذي في كتاب القدر باب 8 ج 8/308 وسكت عنه. وقال في الحديث الذي يليه الذي يوافقه متنا ويخالفه سندا: (هذا حديث حسن غريب صحيح). وأخرجه أحمد 2/167، والنسائي في تفسيره 2/264 ح 493، والطبري في جامع البيان 25/7، وأضاف السيوطي في الدر المنثور تخريجه إلى ابن المنذر وابن مردويه 7/337 كلهم عن ابن عمرو بمعناه.
[60697]:كذا في (ت) و(ح) وفي جامع البيان: ابن عمرو 25/7.
[60698]:(ت): التغف و(ح): النقاف، والتصويب من جامع البيان 25/7 وذلك لأن البحث في معاجم اللغة عن النغف دل على أنه دود يسقط من أنوف الإبل والغنم ولعله المراد سيما وأن (التغف) لم أقف عليه، أما (التغف) فمعناه كسر الهامة عن الدماغ. وهذا مباين للمراد والله أعلم. انظر الصحاح 4/1435 (مادة: تغف)، واللسان (مادة: تغف) و(مادة: نقف).
[60699]:(ح): أو سعيد.
[60700]:انظر جامع البيان 25/7.