السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَكَذَٰلِكَ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ قُرۡءَانًا عَرَبِيّٗا لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلۡقُرَىٰ وَمَنۡ حَوۡلَهَا وَتُنذِرَ يَوۡمَ ٱلۡجَمۡعِ لَا رَيۡبَ فِيهِۚ فَرِيقٞ فِي ٱلۡجَنَّةِ وَفَرِيقٞ فِي ٱلسَّعِيرِ} (7)

{ وكذلك } أي : ومثل ذلك الإيحاء { أوحينا } أي : بما لنا من العظمة { إليك قرآناً } أي : جامعاً لكل حكمة مع الفرق لكل ملتبس { عربياً } فهو بين الخطاب واضح الصواب معجز الجناب { لتنذر } أي : به { أم القرى } أي : أهل مكة التي هي أم الأرض وأصلها منها دحيت ، أو لشرفها أوقع الفعل عليها عداً لها عداد العقلاء أو غير ذلك إذ ما عليك إلا البلاغ ، وقوله تعالى { ومن حولها } معطوف على أهل المقدر قبل أم القرى ، والمفعول الثاني محذوف أي : العذاب والمراد بمن حولها : قرى الأرض كلها من أهل البدو والحضر وأهل المدر والوبر ، والإنذار : التخويف { وتنذر } أي : الناس .

{ يوم الجمع } أي : يوم القيامة يجمع الله تعالى فيه الأولين والآخرين وأهل السماوات والأرضين ويجمع الأرواح بالأجساد ويجمع بين العامل وعمله ويجمع بين الظالم والمظلوم { لا ريب } أي : لا شك { فيه } لأنه ركز في فطرة كل أحد وقوله تعالى : { فريق } يجوز فيه وجهان ؛ أحدهما : أنه مبتدأ وساغ هذا في النكرة لأنه مقام تفصيل وخبره { في الجنة } أي : تفضلاً منه ورحمة ، وهم الذين قبلوا الإنذار وبالغوا في الحذار ، ويجوز أن يكون الخبر مقدراً تقديره منهم فريق ، وساغ الابتداء بالنكرة حينئذ لشيئين : تقديم خبرها جاراً ومجروراً ووصفها بالجار بعدها ، والثاني : أنه خبر مبتدأ مضمر أي : هم أي : المجموعون فريق ، دل على ذلك قوله تعالى : { يوم الجمع } وقوله تعالى : { وفريق في السعير } أي : عدلاً منه فيه ما مر ، وهم الذين خذلهم الله تعالى ووكلهم إلى أنفسهم ، فإن قيل : يوم الجمع يقتضي كون القوم مجتمعين والجمع بين الصنفين محال ؟ أجيب : بأنهم يجتمعون أولاً ثم يصيرون فريقين قال القشيري : كما أنهم في الدنيا فريقان فريق في راحات الطاعات وحلاوات العبادات ، وفريق في ظلمات الشرك وعقوبات الجحد والشك فكذلك غداهم فريقان ، فريق هم أهل اللقاء وفريق هم أهل البلاء والشقاء .

ورى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو قال : «خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم قابضاً على كفيه ومعه كتابان فقال : أتدرون ما هذان الكتابان ؟ قلنا : لا يا رسول الله فقال : للذي في يده اليمنى : هذا كتاب من رب العالمين بأسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وعشائرهم وعدتهم قبل أن يستقروا نطفاً في الأصلاب ، وقبل أن يستقروا نطفاً في الأرحام إذ هم في الطينة منجدلون فليس يزاد فيهم ولا ينقص منهم إجمال من الله عليهم إلى يوم القيامة ، ثم قال للذي في يده اليسرى : هذا كتاب من رب العالمين بأسماء أهل النار وأسماء آبائهم وعشائرهم وعدتهم قبل أن يستقروا نطفاً في الأصلاب ، وقبل أن يستقروا نطفاً في الأرحام ، إذ هم في الطينة منجدلون فليس يزاد فيهم ولا ينقص منهم ، إجمال من الله تعالى عليهم إلى يوم القيامة ، فقال عبد الله بن عمرو : ففيم العمل إذن ؟ فقال : اعملوا وسددوا وقاربوا فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وإن عمل أيَّ : عمل ، وإن صاحب النار يختم له بعمل أهل النار وإن عمل أيَّ عمل ثم قال { فريق في الجنة وفريق في السعير } عدل من الله تعالى » أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده .