فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَكَذَٰلِكَ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ قُرۡءَانًا عَرَبِيّٗا لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلۡقُرَىٰ وَمَنۡ حَوۡلَهَا وَتُنذِرَ يَوۡمَ ٱلۡجَمۡعِ لَا رَيۡبَ فِيهِۚ فَرِيقٞ فِي ٱلۡجَنَّةِ وَفَرِيقٞ فِي ٱلسَّعِيرِ} (7)

{ وَكَذَلِكَ } الإيحاء البديع المبين المفهم { أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ } أي أنزلنا عليك { قُرْآَنًا عَرَبِيًّا } بلسان قومك لا لبس فيه عليك ولا على قومك ، كما أرسلنا كل رسول بلسان قومه { لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى } أي مكة والمراد أهلها { وَمَنْ حَوْلَهَا } من الناس والمفعول الثاني محذوف ، أي لتنذرهم العذاب .

{ وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ } أي بيوم الجمع وهو يوم القيامة لأنه مجمع الخلائق ، وقيل : المراد جمع الأرواح بالأجساد ، وقيل : جمع الظالم والمظلوم ، وقيل جمع العامل والعمل .

{ لَا رَيْبَ فِيهِ } أي لاشك فيه والجملة معترضة مقررة لما قبلها ، أو حال من يوم الجمع { فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِير } قرأ الجمهور برفع فريق في الموضعين إما على أنه مبتدأ وخبره الجار والمجرور ، وساغ الابتداء بالنكرة لأن المقام مقام تفضيل أو على أن الخبر مقدر قبله ، أي منهم فريق في الجنة ومنهم فريق في السعير ، أو أنه خبر مبتدأ محذوف وهو ضمير عائد إلى المجموعين ، المدلول عليهم بذكر الجمع ، أي هم فريق في الجنة وفريق في السعير وقرئ فريقا بالنصب في الموضعين على الحال من جملة محذوفة ، أي افترقوا حال كونهم كذلك ، وأجاز الفراء والكسائي النصب على تقدير لتنذر فريقا .

وقد أخرج الترمذي وصححه ، وأحمد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن عبد الله بن عمرو قال : ( خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كتابان فقال : أتدرون ما هذان الكتابان ؟ قلنا لا إلا أن تخبرنا يا رسول الله قال للذي في يده اليمنى : هذا كتاب من رب العالمين بأسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم ، ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم ، ثم قال للذي في شماله هذا كتاب من رب العالمين بأسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم ، ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا فقال أصحابه ففيم العمل يا رسول الله ؟ إن كان أمر قد فرغ منه ، فقال سددوا وقاربوا فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة ، وإن عمل أي عمل ، وإن صاحب النار يختم له بعمل أهل النار ، وإن عمل أي عمل .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه فنبذهما ، ثم قال : فرغ ربكم من العباد ، فريق في الجنة وفريق في السعير ) .

قال الترمذي بعد إخراجه : هذا حديث حسن صحيح غريب ، وروى ابن جرير طرفا منه عن ابن عمرو " موقوفا عليه " ، قال ابن جرير وهذا الموقوف أشبه بالصواب ، قلت بل المرفوع أشبه بالصواب ، فقد رفعه الثقة ورفعه زيادة ثابتة من وجه صحيح ، ويقوي الرفع ما أخرجه ابن مردويه عن البراء قال . ( خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كتاب ينظر فيه قالوا انظروا إليه كيف هو أمي لا يقرأ ؟ قال فعلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هذا كتاب من رب العالمين بأسماء أهل الجنة ، وأسماء قبائلهم لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم ، وقال { فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ } فرغ ربكم من أعمال العباد ) .