قوله تعالى : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً } في قرآناً وجهان :
أظهرهما : أنه مفعول أوحَيْنَا{[49054]} ، والكاف للمصدر نعتاً أو حالاً .
الثاني : أنه حال من الكاف ، و الكاف هي المفعول «لأَوْحَيْنَا » أي أوحينا مثل ذلك الإيحاء ، وهو قرآن عربي وإليه نحا الزمخشري{[49055]} . وكون الكاف اسماً في النثر{[49056]} مذهب الأخفش{[49057]} .
قال ابن الخطيب : قوله { وكذلك أوحينا إليك قرآناً عربياً } يقتضي تشبيه وحي الله بالقرآن بشيء سبق ذكره ، وليس ههنا شيء سبق ذكره يمكن تشبيه وحي القرآن به إلا قوله : { والذين اتخذوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ الله حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ } يعني أوحينا إليك أنك لست حفيظاً عليهم ولست وكيلاً عليهم وكذلك أوحينا إلريك قرآناً عربياً ليكون نذيراً لهم{[49058]} .
قوله : { أُمَّ القرى } أي أهلَ{[49059]} أُمِّ القرى ؛ لأن البلد لا تعقِلُ{[49060]} .
قوله : { وَمَنْ حَوْلَهَا } عطف على أهل المقدر من قبل أم القرى والمفعول الثاني محذوف أي العذاب{[49061]} .
وقرئ : ليُنذر - بالياء من تحت - أي القرآن{[49062]} ، وأم القرى أصل القرى بمعنى مكة ، وسمي بهذا الاسم إجلالاً ؛ لأن فيها البيت ومقامَ إبراهيِم . والعرب تسمي أصل كلٍّ شيء أمةً ، حتى يقال : هذه القصيدة من أُمَّهاتِ قصائد فلانٍ ومعنى «مَنْ حَوْلَها » أي قرى الأرض كلها من أهل البدو والحضر وأهل المَدَر والوَبَر . والإنذار : التخويف{[49063]} .
قوله : { وَتُنذِرَ يَوْمَ الجمع } أي تنذرهم بيوم الجمع ، وهو يوم القيامة ، جمع الله فيه الأولين والآخرين وأهل السموات والأرض . وقيل : المراد تجمع الأرواح بالأجساد .
وقيل : يجمع كبين العامل وعمله وقيل : يجمع بين الظالم والمظلوم{[49064]} .
قوله : { لاَ رَيْبَ فِيهِ } إخبارٌ فهو مستأنف ، ويجوز أن يكون حالاً من «يَوْمِ الجَمْعِ » وجعله الزَّمخشري اعتراضاً{[49065]} وهو غير ظاهر صناعة إذ لم يقع بين مُتلازمين{[49066]} .
قوله : «فَرِيقٌ » العامة على رفعه بأحد وجهين :
إمَّا الابتداء ، وخبره الجار بعده ، وساغ هذا في النكرة ، لأنه مقام تفصيل كقوله :
4371 . . . . . . . . . . . . . . . *** فَثَوْبٌ نَسِيتُ وثَوْبٌ أَجُرٌّ{[49067]}
ويجوز أن يكون الخبر مقدراً تقديره منهم فريق{[49068]} . وساغ الابتداء{[49069]} بالنكرة لشيئين : تقديم خبرها جار ومجروراً ووصفها بالجار بعدها ، والثاني : أنه خبر ابتداء مضمر أي هم أي المجموعون ، دَلَّ على ذلك يوم الجمع .
وقرأ زيدٌ بن عليٍّ : فريقاً وفريقاً ، نصباً{[49070]} على الحال من جملة محذوفة أي افتَرَقُوا أي المجموعون .
وقال مكي : وأجاز الكسائي والفراءُ{[49071]} النصب في الكلام في «فريقاً » على معنى : تُنذر فريقاً في الجنة وفريقاً في السعير يوم الجمع{[49072]} وكأنه لم يطلع على أنها قراءة{[49073]} .
وظاهر نقله عن هذين الإِمامين أنهما لم يطلعا ( عليها ){[49074]} وجعل «فريقاً » مفعولاً أول لتنذر ، «ويوم الجمع » مفعولاً ثانياُ .
وفي ظاهره إشكالٌ وهو أنَّ الإنذار لا يقع للفريقين وهما في الجنة وفي السعير إنما يكون الإنذار قبل استقرارهما فيهما . ويمكن أن يُجَابَ عنه بأن المراد مَنْ هو من أهل الجنة ومن أهل السعير ، وإن لم يكن حاصلاً فيهما وقت الإنذار ، و«فِي الجَنَّةِ » صفة «فَرِيقاً » أو متعلق بذلك المحذوف{[49075]} .
فإن قيل : يوم الجمع يقتضي كون القوم مجتمعين ، والجمع بين الصنفين محال ! .
فالجواب : أنهم يجتمعون{[49076]} أولاً ثم يصيرون فريقين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.