شركاء : آلهة أو أصنام شرعوا لهم الشرك الذي لم يأذن به الله .
ما لم يأذن به الله : ما لم يأمر به الله ، كالشرك ونحوه .
كلمة الفصل : حكمنا السابق بتأجيل عذابهم .
21- { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم } .
الآية تنهى عن الشرك بأبلغ أسلوب وأعلى بيان ، فالأصل أن الله تعالى لا يعبد إلا بما شرعه ، وقد أنزل الوحي على رسله بإقامة الدين ، لكن هؤلاء استمروا على الشرك والكفر والظلم ، فهل لهم أصنام وشياطين وأوثان شرعوا لهم الشرك والظلم والسلوك المعوج الذي لم يأذن به الله ولم يأمر به ، ولكنهم اتبعوه سيرا وراء أهوائهم وشياطينهم ؟
{ ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم } .
لولا أن الله تعالى قضى بإمهال عذاب هذه الأمة إلى يوم القيامة ، لفصل بين المؤمنين والكافرين ، بإنصاف المؤمنين وإنزال العذاب بالمشركين ، لكن هناك في الآخرة عذاب أليم ينتظر هؤلاء الظالمين .
أم لهم شركاء : شركاء في الكفر .
ما لم يأذن به الله : كالشرك وإنكار البعث والعمل للدنيا فقط .
كلمة الفصل : هي الحكم والقضاء منه تعالى بتأخيرهم إلى يوم القيامة .
ثم أعقب ذلك بذِكر ما وسوستْ به الشياطين لشركائهم ، وزينت لهم من الشِرك بالله وإنكار البعث والجزاء ، وأنهم كانوا يستحقُّون العذابَ العاجل على ذلك ، لكن الله تعالى أجّله لما سبق في علمه من تأخيرهم إلى يوم معلوم .
{ 21-23 } { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }
يخبر تعالى أن المشركين اتخذوا شركاء يوالونهم ويشتركون هم وإياهم في الكفر وأعماله ، من شياطين الإنس ، الدعاة إلى الكفر { شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ } من الشرك والبدع ، وتحريم ما أحل الله ، وتحليل ما حرم الله ونحو ذلك مما اقتضته أهواؤهم .
مع أن الدين لا يكون إلا ما شرعه الله تعالى ، ليدين به العباد ويتقربوا به إليه ، فالأصل الحجر على كل أحد أن يشرع شيئا ما جاء عن الله وعن رسوله ، فكيف بهؤلاء الفسقة المشتركين هم وأباؤهم على الكفر .
{ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } أي : لولا الأجل المسمى الذي ضربه الله فاصلا بين الطوائف المختلفة ، وأنه سيؤخرهم إليه ، لقضي بينهم في الوقت الحاضر بسعادة المحق وإهلاك المبطل ، لأن المقتضي للإهلاك موجود ، ولكن أمامهم العذاب الأليم في الآخرة ، هؤلاء وكل ظالم .
قوله تعالى :{ أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } يعني كفار مكة ، يقول : إنهم سنوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ؟ قال ابن عباس رضي الله عنهما : شرعوا لهم ديناً غير دين الإسلام . { ولولا كلمة الفصل } لولا أن الله حكم في كلمة الفصل بين الخلق بتأخير العذاب عنهم إلى يوم القيامة ، حيث قال : { بل الساعة موعدهم } ( القمر-46 ) ، { لقضي بينهم } لفرغ من عذاب الذين يكذبونك في الدنيا ، { وإن الظالمين } المشركين ، { لهم عذاب أليم } في الآخرة .
ولما تقرر ما شرع من الدين مما وصى به جميع النبيين فبانت أصوله ، واتضحت فروعه وفصوله ، وظهرت غرائبه وأشرقت فرائده وآياته ، وختم بالقانون الأعظم في أمر الدارين مما هو مشاهد ولا يقدر عليه غيره ، فكان التقدير من غير خفاء : هذا شرع الله الذي ارتضاه لعباده وحكم بأن الإقبال عليه غير ضار بطلب الرزق وقدر الأرزاق فلا قدرة لأحد أن يزيد في رزقه شيئاً ، ولا أن ينقص منه شيئاً ، أقبلوه ؟ عادل ذلك بقوله تعالى مقرراً موبخاً منبهاً على ما هو الأصل في الضلال عن قوانينه المحررة وشرائعه الثابتة المقررة : { أم لهم } أي لهؤلاء الذين يروغون يميناً وشمالاً { شركاء } على زعمهم شاركوا الشارع الذي مضى بيان عزته وظهور جلاله وعظمته في أمره حتى { شرعوا } أي الشركاء الذين طرقوا ونهجوا { لهم } أي للكفار ، ويجوز أن يكون المعنى : شرع الكفار لشركائهم { من الدين } في العبادات والعادات التي تقرر في الأذهان أنه لا بد من الجزاء عليها لما جرت به عوائدهم عن محاسبة من تحت أيديهم وقدروا لهم من الأرزاق ، وعدل عن أسلوب العظمة إلى الاسم الأعظم إشارة إلى ما فيه مع العظمة من الإكرام الذي من جملته الحلم المقتضي لعدم معاجلتهم بالأخذ فقال تعالى : { ما لم يأذن به الله } أي يمكن العباد منه بأمرهم به وتقريرهم عليه الملك الذي لا أمر لأحد معه ، وقد محقت صفاته كل صفة وتضاءل عندها كل عظمة ، فأقبلوا عليه دون غيره لكونه معتداً به ، فإن كان كذلك فليسعدوا من أقبل على الدنيا التي هي محط أمرهم فلا يعرفون غيرها بأن يعطوه جميع مراده ويشقوا من أراد الآخرة وسعى لها سعيها ، ونسب الشرع إلى الأوثان لأنها سببه كما كانت سبب الضلال في قوله سبحانه وتعالى حكاية عن إبراهيم خليله عليه الصلاة والسلام { رب إنهن أضللن كثيراً من الناس } ويضاف الشركاء إليهم تارة لأنهم متخذوها وتارة إلى الله تعالى لأنهم أشركوهم به ، والعبارة تأتي بحسب المقام .
ولما علم قطعاً أن التقدير : فلولا أن هذه الأفعال التي يفعلونها من غير إذن منه لا تنقص من ملكه سبحانه شيئاً ، ولا تضر إلا فاعلها مع أنها بإرادته ، فكانت لمنعهم عنها لم يصلوا إلى شيء منها ، عطف عليه قوله تعالى : { ولولا كلمة الفصل } التي سبق في الأزل أنها لا تكون ولما كان أمرهم هيناً ، بني الفعل للمفعول ، فقال : { لقُضي بينهم } أي بين الذين امتثلوا أمره فالتزموا شرعه وبين الذين اتبعوا ما شرعوه لمن سموهم شركاء في أقرب وقت ولكنه قد سبق القضاء في أزل الأزل بمقادير الأشياء وتحديدها على وجوه الحكمة ، فهي تجري على ما حد لها لا تقدم لشيء منها ولا تأخر ولا تبدل ولا تغير ، وستنكشف لكم الأمور وتظهر مخبآت المقدور فلا يقع الفصل إلا في الآخرة كما سبق به القضاء بأن يكون للمقسطين نعيم مقيم .
ولما كانوا ينكرون أن يقع بهم عذاب ، قال مؤكداً عطفاً على ما قدرته بما أرشد إليه السياق : { وإن الظالمين } بشرع ما لم يأذن به الله من الشرك وغيره { لهم عذاب أليم * } أي مؤلم بليغ إيلامه .