تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{يَوۡمَ يُكۡشَفُ عَن سَاقٖ وَيُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ} (42)

34

يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون .

أي : فليأتوا بهؤلاء الشركاء ليعاونوهم إذا اشتد الهول وعظم الأمر يوم القيامة ، والكشف عن الساق في تعبيرات اللغة العربية كناية عن الشدة والكرب ، فهو يوم القيامة الذي يشمّر فيه عن الساعد ، ويكشف فيه عن الساق ، ويشتد الكرب والضيق ، ويدعى هؤلاء المتكبرون إلى السجود فلا يملكون السجود ، إما لأن وقته قد فات ، وإما لأن الهول قد شدّ أجسامهم وأعصابهم ، فتوقفت ظهورهم فلا تستطيع الانحناء من العجز والكرب المخيف .

وفي الآية دليل على أنهم يحاولون السجود في الآخرة فلا يستطيعون ذلك ، بينما يوفّق المؤمنون للسجود لله تعالى في ذلك اليوم .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{يَوۡمَ يُكۡشَفُ عَن سَاقٖ وَيُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ} (42)

{ يوم يكشف عن ساق } اذكر لهم يوم يشتد الأمر ويعظم الخطب . . . ، وهو يوم القيامة . وكشف الساق والتشمير عنها : مثل في ذلك . وأصله في الروع والهزيمة ، وتشمير المخدرات عن سوقهن ، وإبداء حزامهن عند الهرب واشتداد الخطب . فكنى به عما ذكر ؛ فلا ساق ولا كشف ثمة . وهو كما يقال للأقطع الشحيح : يده مغلولة . ولا يد ثمة ولا غل ؛ وإنما هو كناية عن البخل . { ويدعون إلى السجود توبيخا لهم وتحسيرا على تفريطهم في طاعة الله في الدنيا . { فلا يستطيعون }لصيرورة أصلابهم عظما واحدا .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَوۡمَ يُكۡشَفُ عَن سَاقٖ وَيُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ} (42)

{ 42 - 43 } { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ }

أي : إذا كان يوم القيامة ، وانكشف فيه من القلاقل [ والزلازل ] والأهوال ما لا يدخل تحت الوهم ، وأتى الباري لفصل القضاء بين عباده ومجازاتهم فكشف عن ساقه الكريمة التي لا يشبهها شيء ، ورأى الخلائق من جلال الله وعظمته ما لا يمكن التعبير عنه ، فحينئذ يدعون إلى السجود لله ، فيسجد المؤمنون الذين كانوا يسجدون لله ، طوعًا واختيارًا ، ويذهب الفجار المنافقون ليسجدوا فلا يقدرون على السجود ، وتكون ظهورهم كصياصي البقر ، لا يستطيعون الانحناء .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{يَوۡمَ يُكۡشَفُ عَن سَاقٖ وَيُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ} (42)

{ يوم يكشف عن ساق } عن شدة الأمر وهو يوم القيامة قال ابن عباس رضي الله عنه أشد ساعة في القيامة فصار كشف الساق عبارة عن شدة الأمر { ويدعون إلى السجود } أي الكافرون والمنافقون { فلا يستطيعون } يصير ظهرهم طبقا واحدا كلما أراد أن يسجد واحد منهم خر على قفاه

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{يَوۡمَ يُكۡشَفُ عَن سَاقٖ وَيُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ} (42)

قوله تعالى : " يوم يكشف عن ساق " يجوز أن يكون العامل في " يوم " " فليأتوا " أي فليأتوا بشركائهم يوم يكشف عن ساق ليشفع الشركاء لهم . ويجوز أن ينتصب بإضمار فعل ، أي اذكر يوم يكشف عن ساق ، فيوقف على " صادقين " ولا يوقف عليه على التقدير الأول . وقرئ " يوم نكشف " بالنون . " وقرأ " ابن عباس " يوم تكشف عن ساق " بتاء مسمى الفاعل ، أي تكشف الشدة أو القيامة . عن ساقها ، كقولهم : شمرت الحرب عن ساقها . قال الشاعر :

فتى الحرب إن عَضَّت به الحرب عضها *** وإن شَمَّرت عن ساقها الحرب شَمَّرَا{[15267]}

وقال الراجز :

قد كشفت عن ساقها فَشُدُّوا *** وجَدَّتِ الحرب بكم فجِدُّوا

وقال آخر :

عجبت من نفسي ومن إشفاقها *** ومن طِرَادِ الطير عن أرزاقها

في سَنة قد كشفت عن ساقها *** حمراء تَبْرِي اللحم عن عِرَاقِها{[15268]}

وقال آخر :

كشفت لهم عن ساقها *** وبدا من الشر الصُّرَاحِ

وعن ابن عباس أيضا والحسن وأبي العالية " تكشف " بتاء غير مسمى الفاعل . وهذه القراءة راجعة إلى معنى " يكشف " وكأنه قال : يوم تكشف القيامة عن شدة . وقرئ " يوم تكشف " بالتاء المضمومة وكسر الشين ، من أكشف إذا دخل في الكشف . ومنه : أكشف الرجل فهو مكشف ، إذا انقلبت شفته العليا . وذكر ابن المبارك قال : أخبرنا أسامة بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى : " يوم يكشف عن ساق " قال : عن كرب وشدة . أخبرنا ابن جريج عن مجاهد قال : شدة الأمر وجده . وقال مجاهد : قال ابن عباس هي أشد ساعة في يوم القيامة . وقال أبو عبيدة : إذا اشتد الحرب والأمر قيل : كشف الأمر عن ساقه . والأصل فيه أن من وقع في شيء يحتاج فيه إلى الجد شمر عن ساقه ، فاستعير الساق والكشف عنها في موضع الشدة . وقيل : ساق الشيء أصله الذي به قوامه ، كساق الشجرة وساق الإنسان . أي يوم يكشف عن أصل الأمر فتظهر حقائق الأمور وأصلها . وقيل : يكشف عن ساق جهنم . وقيل : عن ساق العرش . وقيل : يريد وقت اقتراب الأجل وضعف البدن ، أي يكشف المريض عن ساقه ليبصر ضعفه ، ويدعوه المؤذن إلى الصلاة فلا يمكنه أن يقوم ويخرج . فأما ما روي أن الله يكشف عن ساقه فإنه عز وجل يتعالى عن الأعضاء والتبعيض وأن يكشف ويتغطى . ومعناه أن يكشف عن العظيم من أمره . وقيل : يكشف عن نوره عز وجل . وروى أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : " عن ساق " قال : ( يكشف عن نور عظيم يخرون له سجدا ) . وقال أبو الليث السمرقندي في تفسيره : حدثنا الخليل بن أحمد قال حدثنا ابن منيع قال حدثنا هدبة قال حدثنا حماد ابن سلمة عن عدي بن زيد عن عمارة القرشي عن أبي بردة عن أبي موسى قال حدثني أبي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إذا كان يوم القيامة مثل لكل قوم ما كانوا يعبدون في الدنيا فيذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون ويبقى أهل التوحد فيقال لهم ما تنتظرون وقد ذهب الناس فيقولون إن لنا ربا كنا نعبده في الدنيا ولم نره - قال - وتعرفونه إذا رأيتموه فيقولون نعم فيقال فكيف تعرفونه ولم تروه قالوا إنه لا شبيه له فيكشف لهم الحجاب فينظرون إلى الله تعالى فيخرون له سجدا وتبقى أقوام ظهورهم مثل صياصي البقر{[15269]} فينظرون إلى الله تعالى فيريدون السجود فلا يستطيعون فذلك قوله تعالى : " يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون " فيقول الله تعالى عبادي ارفعوا رؤوسكم فقد جعلت بدل كل رجل منكم رجلا من اليهود والنصارى في النار ) . قال أبو بردة : فحدثت بهذا الحديث عمر بن عبدالعزيز فقال : الله الذي لا إله إلا هو لقد حدثك أبوك بهذا الحديث ؟ فحلف له ثلاثة أيمان ، فقال عمر : ما سمعت في أهل التوحيد حديثا هو أحب إلي من هذا . وقال قيس بن السكن : حدث عبدالله بن مسعود عند عمر بن الخطاب فقال : إذا كان يوم القيامة قام الناس لرب العالمين أربعين عاما شاخصة أبصارهم إلى السماء ، حفاة عراة يلجمهم العرق ، فلا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم أربعين عاما ، ثم ينادي مناد : أيها الناس ، أليس عدلا من ربكم الذي خلقكم وصوركم وأماتكم وأحياكم ثم عبدتم غيره أن يولي كل قوم ما تولوا ؟ قالوا : نعم . قال : فيرفع لكل قوم ما كانوا يعبدون من دون الله فيتبعونها حتى تقذفهم في النار ، فيبقى المسلمون والمنافقون فيقال لهم : ألا تذهبون قد ذهب الناس ؟ فيقولون حتى يأتينا ربنا ، فيقال لهم : أو تعرفونه ؟ فيقولون : إن اعترف{[15270]} لنا عرفناه . قال فعند ذلك يكشف عن ساق ويتجلى لهم فيخر من كان يعبده مخلصا ساجدا ، ويبقى المنافقون لا يستطيعون كأن في ظهورهم السَّفَافِيد{[15271]} ، فيذهب بهم إلى النار ، ويدخل هؤلاء الجنة ، فذلك قوله تعالى : " ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون " .


[15267]:البيت لحاتم الطائي. ويروى: أخو الحرب. وأخا الحرب.
[15268]:العراق بضم العين: العظم بغير لحم، فإن كان عليه لحم فهو عرق بفتحها.
[15269]:صياصي البقر: قرونها.
[15270]:أي إذا وصف نفسه بصفة تحققه بها.
[15271]:السفافيد: جمع السفود (وزن التنور): الحديدة التي يشوى بها اللحم.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{يَوۡمَ يُكۡشَفُ عَن سَاقٖ وَيُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ} (42)

ولما نفى جميع شبههم التي يمكن أن{[67676]} يتشبثوا بها مع البيان لقدرته على ما يريد من تفتيق الأدلة وتشقيق البراهين الدال على تمام العلم اللازم منه كمال القدرة فأوصلهم من وضوح الأمر إلى حد لم يبق معه إلا العناد ، أتبع ذلك تهديدهم بما يثبت ذلك قدرته عليه من يوم الفصل ومعاملتهم فيه بالعدل فقال : { يوم } يجوز أن يكون بياناً ليوم القيامة ، وبنى لإضافته إلى الجملة وأن يكون ظرفاً ليأتوا ، أو منصوباً بما أخذ من معنى الكلام من نحو{[67677]} : سيعلمون ما يلقون من غب هذه المعاملات وإن نالوا في هذه الدار جميع اللذات في جميع اليوم الذي { يكشف } أي يحصل الكشف فيه ، وبني للمفعول لأن المخيف وقوع{[67678]} الكشف الذي هو كناية عن تفاقم الأمور وخروجها عن حد الطوق ، لا كونه من معين ، مع أن من المعلوم أنه لا فاعل هناك غيره سبحانه { عن ساق } أي يشتد فيه الأمر غاية الاشتداد لأن من اشتد عليه الأمر وجد في فصله شمر عن ساقه لأجله وشمرت حرمه عن سوقهن غير محتشمات هرباً ، فهو كناية عن هذا ولذلك نكره تهويلاً له{[67679]} وتعظيماً ، نقل هذا التأويل عن ابن عباس رضي الله عنهما وسعيد بن جبير رضي الله عنه وغيرهما ، وعن انكشاف جميع الحقائق وظهور الجلائل فيه والدقائق من الأهوال وغيرها كما كشفت هذه الآيات جميع الشبه وتركت السامع لها في مثل ضوء النهار ، وفي الجزء الخامس والثلاثين من مسند أبي يعلى الموصلي عن أبي بردة عن أبيه رضي الله عنه تعالى عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا قال :

" عن نور عظيم يخرون له سجداً " وهو لا ينافي ما ذكر من التأويلين{[67680]} : الشدة والكشف . ولما كان هذا الكشف الذي كشف لهم المعاني في هذا القرآن إنما هو لأجل العبادة التي هي الخضوع الذي يعبر عنه بالسجود و{[67681]}هو آيتها و{[67682]}أمارة ما اشتمل عليه الباطن منها وعلامتها فيأتونها وهم قادرون عليها ذكرهم يوماً يريدونها فيه فلا يتأتى لهم تنديماً لهم وزيادة تحسير وإظهار تظليل وتخسير لأن ظهورهم وأعضاءهم تكون طبقاً واحداً لا تنثني ، فكلما أرادوا أن يسجدوا انقلبوا على أقفائهم ، فقال بانياً للمفعول دلالة على إرادتهم للانقياد ورغبتهم فيه من أي داع كان ، وهو دال على أن التكليف لا ينقطع إلا بدخول كل من الفريقين داره و { يدعون } أي من داعي الملك الديان { إلى السجود } توبيخاً على تركه الآن وتنديماً وتعنيفاً لا تعبداً وتكليفاً فيريدونه ليضروا أنفسهم مما يرون{[67683]} من المخاوف { فلا } أي فيتسبب عن ذلك أنهم لا{[67684]} { يستطيعون * } أي لأنهم غير سالمين لا أعضاء لهم تنقاد به مع شدة معالجتهم لأنفسهم على أن تطوع لهم أعضاؤهم بما تفهمه هذه الصيغة من أن الإنسان منهم{[67685]} إذا أراد الفعل وعالجه بقوة فلم يطقه فإن ظهورهم تكون على حالة لا تنثني معها بل كان فيها السفافيد فيكون لهم في ذلك أشد ندم لتركهم إياه في الدنيا وهم يقدرون عليه وهو إذ ذاك نافع لهم ومعالجتهم فعله أشد معالجة وهم غير قادرين عليه وهو غير نافع لهم{[67686]} وإذا عجزوا مع المعالجة كانوا بدونها أعجز ، وذلك أنه يبعث المرء على ما مات عليه ويحشر على ما بعث عليه إن خيراً فخيراً وإن شراً فشر ،


[67676]:- زيد من ظ وم
[67677]:- زيد من ظ وم.
[67678]:- من ظ وم، وفي الأصل: وقع.
[67679]:- زيد من ظ وم.
[67680]:- من ظ وم، وفي الأصل: التأويل.
[67681]:- من ظ وم، وفي الأصل: الذي.
[67682]:- زيد في الأصل: هو، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[67683]:- من ظ وم، وفي الأصل: يريدون.
[67684]:- زيد من ظ وم.
[67685]:- زيد في الأصل: إذا، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[67686]:- زيد من ظ وم.