تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ثُمَّ يَعۡرُجُ إِلَيۡهِ فِي يَوۡمٖ كَانَ مِقۡدَارُهُۥٓ أَلۡفَ سَنَةٖ مِّمَّا تَعُدُّونَ} (5)

{ يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون }

المفردات :

من ولي ولا شفيع : من ناصر ينصركم ولا وسيط يشفع لكم .

يدبر الأمر : يدبر أمر الدنيا مدة بقائها على وجه الإتقان ومراعاة الحكمة .

التفسير :

يدبر أمر الكون كله في العالم العلوي والسفلي ثم يصعد إليه أثر الأمر وتنفيذه بواسطة الملائكة وهذا تمثيل لعظمة الله وامتثال المخلوقات جميعا لمراده وتدبيره كالحاكم المطلق الذي يصدر أوامره ثم يتلقى من أعوانه ما يدل على تنفيذها .

قال الالوسي :

والمراد بعروج الأمر إليه بعد تدبيره- سبحانه- وصول خبر وجوده بالفعل كما دبر إظهارا لكمال عظمته وعظيم سلطانه وذلك كعرض الملائكة عليه أعمال العباد الوارد في الأخبار . أه ( باختصار ) .

وفي تفسير القرطبي ما يأتي :

وقال ابن عباس : المعنى كان مقداره لو سار غير الملك ألف سنة لأن النزول خمسمائة والصعود خمسمائة وروى ذلك عن جماعة من المفسرين وهو اختيار الطبري ذكره المهدوي .

والمعنى : أن جبريل لسرعة سيره يقطع مسيرة ألف سنة في يوم من أيامكم ذكره الزمخشري .

وقيل : معنى في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون . . . ترفع الأمور الحاصلة في الدنيا صغيرها وكبيرها إلى الله تعالى يوم القيامة ليفصل فيها ويحكم في شأنها ويوم القيامة مقداره ألف سنة من أيام الدنيا التي نعدها في هذه الحياة .

والمراد من الألف : الزمن المتطاول الذي هو في لغة العرب أقصى نهاية العدد .

وفي موضع آخر وصف الله تعالى مقدار هذا اليوم بخمسين ألف سنة قال تعالى : تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة . ( -المعارج : 4 ) .

قال القرطبي : المعنى أن الله تعالى جعله في صعوبته على الكفار كخمسين ألف سنة قاله ابن عباس والعرب تصف أيام المكروه بالطول وأيام السرور بالقصر قال شاعرهم :

ويوم كظل الريح قصر طواله *** دم الزق عنا واصطفاق المزاهر

وقيل إن يوم القيامة فيه أيام فمنه ما مقداره ألف سنة ومنه ما مقداره خمسون ألف سنة . iv

من تفسير ابن كثير :

{ يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه . . . . }

أي يتنزل أمره من أعلى السماوات إلى أقصى تخوم الأرض السابعة كما قال تعالى : الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن . . . 'الطلاق : 12 ) .

وترفع الأعمال إلى ديوانها فوق سماء الدنيا ومسافة ما بينها وبين الأرض خمسمائة سنة وسمك السماء خمسمائة سنة .

وقال مجاهد والضحاك : النزول من الملك في مسيرة خمسمائة عام وصعوده في مسيرة خمسمائة عام ولكنه يقطعها في طرفة عين ولهذا قال تعالى : في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون . أه .

أي : في يوم عظيم هو يوم القيامة طوله ألف سنة من أيام الدنيا لشدة أهواله .

***

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ثُمَّ يَعۡرُجُ إِلَيۡهِ فِي يَوۡمٖ كَانَ مِقۡدَارُهُۥٓ أَلۡفَ سَنَةٖ مِّمَّا تَعُدُّونَ} (5)

{ يدبر الأمر . . . } التدبير الإحكام والإتقان ؛ وهو هنا إرادة الأشياء على هذا النحو . والأمر : الشأن . والمراد شئون الدنيا كلها . والجاران متعلقان به . والعروج : الارتفاع والصيرورة إليه تعالى .

واليوم : يوم القيامة ، ويتفاوت طوله بحسب اختلاف الشدة ، فيعادل في حالة ألف سنة من سنى الدنيا ، وفي حالة خمسين ألفا منها . أي يحكم الله شئون الدنيا كلها السماوية والأرضية إلى أن تقوم الساعة .

أي يريدها محكمة متقنة حسبما تقتضيه الحكمة ، ثم تصير كلها إليه في يوم القيامة ، وهو اليوم الذي لا حكم فيه لسواه ولا ملك لغيره " لمن الملك اليوم لله الواحد القهار " {[274]} ليحكم فيما شأنه أن يحكم فيه بما يريد . ثم وصف هذا اليوم بما يفيد الشدة وعظم الهول ، وأنه إذا قيس بأيام الدنيا كان كألف سنة منها ، وقد يكون كخمسين ألفا . وإذا كانت صيرورة الأمر كله إليه يوم القيامة ، فكيف يكون للمشركين فيه من دون الله ولي أو شفيع ! ؟


[274]:آية 16 غافر.